الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  وقع في بعض النسخ: باب وجوب الحج وفضله وقوله تعالى: ولله على الناس حج البيت وهذا أوجه، وأشار بذكر هذه الآية الكريمة إلى أن وجوب الحج قد ثبت بهذه الآية، هذا عند الجمهور. وقيل: ثبت وجوبه بقوله تعالى: وأتموا الحج والعمرة لله والأول أظهر.

                                                                                                                                                                                  وقد وردت الأحاديث المتعددة بأنه أحد أركان الإسلام ودعائمه وقواعده، وأجمع المسلمون على ذلك إجماعا ضروريا.

                                                                                                                                                                                  وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا الربيع بن مسلم القرشي، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم، ثم قال: ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه" رواه مسلم.

                                                                                                                                                                                  وفي روايته: "فقام الأقرع بن حابس فقال: يا رسول الله أفي كل عام" الحديث.

                                                                                                                                                                                  وعن أحمد في روايته عن علي رضي الله تعالى عنه قال: "لما نزلت ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا قالوا: يا رسول الله في كل عام" الحديث، وفي رواية ابن ماجه، عن أنس بن مالك قال: قالوا: "يا رسول الله الحج في كل عام؟ قال: لو قلت: نعم لوجبت ولو وجبت لم تقوموا بها ولو لم تقوموا بها لعذبتم".

                                                                                                                                                                                  وفي (الصحيحين) من حديث جابر "أن سراقة بن مالك قال: يا رسول الله متعتنا هذه لعامنا أم للأبد؟ قال: بل للأبد".

                                                                                                                                                                                  قوله: "حج البيت" مرفوع على الابتداء وخبره مقدما.

                                                                                                                                                                                  قوله: ولله على الناس أي: ولله فرض واجب على الناس حج البيت لأن اللام لام الإيجاب.

                                                                                                                                                                                  قوله: من استطاع بدل من الناس في محل الجر، والتقدير: ولله على من استطاع من الناس حج البيت، والاستطاعة هي الزاد والراحلة وتخلية الطريق.

                                                                                                                                                                                  وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " السبيل الزاد والرحلة " رواه الحاكم ثم قال: صحيح على شرط مسلم، وروى الترمذي من حديث ابن عمر قال: "قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من الحاج يا رسول الله؟ قال: الشعث التفل. فقام آخر فقال: أي الحج أفضل يا رسول الله؟ فقال: العج والثج. فقام آخر فقال: ما السبيل يا رسول الله؟ قال: الزاد والرحلة".

                                                                                                                                                                                  وقال ابن أبي حاتم: وقد روي عن ابن عباس وأنس والحسن ومجاهد وعطاء وسعيد بن جبير والربيع بن أنس وقتادة نحو ذلك، وقد روى ابن [ ص: 123 ] جرير عن ابن عباس في قوله: من استطاع إليه سبيلا قال: من ملك ثلاثمائة درهم فقد استطاع إليه سبيلا ".

                                                                                                                                                                                  وعن عكرمة مولاه قال: "من استطاع إليه سبيلا، السبيل الصحة" وعن الضحاك عن ابن عباس قال: من استطاع إليه سبيلا قال: الزاد والبعير.

                                                                                                                                                                                  قوله: ومن كفر فإن الله غني عن العالمين قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: أي ومن جحد فرضية الحج فقد كفر، والله غني عنه. وقيل: من لم يرج ثوابه ولم يخف عقابه تركه. وقيل: إذا أمكنه الحج ولم يحج حتى مات.

                                                                                                                                                                                  وروى ابن مردويه من حديث الحارث عن علي رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من ملك زادا وراحلة ولم يحج بيت الله فلا يضره مات يهوديا أو نصرانيا وذلك بأن الله تعالى قال: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا إلى آخره ورواه الترمذي أيضا وقال: هذا حديث غريب، وفي إسناده مقال، وهلال مجهول -يعني في رواية الحارث - يضعف في الحديث.

                                                                                                                                                                                  وروى الإسماعيلي الحافظ من حديث عبد الرحمن بن غنم سمع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقول: " من أطاق الحج فلم يحج فسواء عليه يهوديا مات أو نصرانيا " وهذا إسناد صحيح إلى عمر قاله ابن كثير في تفسيره.

                                                                                                                                                                                  قوله: غني عن العالمين أي: لا ينفعه إيمانهم ولا يضره كفرهم.



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية