الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1564 232 - حدثنا المكي بن إبراهيم، عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة فطاف بالبيت ثم صلى ركعتين ثم سعى بين الصفا والمروة، ثم تلا لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  هذا طريق آخر للحديث المذكور رواه عن المكي بن إبراهيم بن بشير بن فرقد البلخي، أبي السكن، ولفظ المكي اسمه على صورة النسبة، وليس بمنسوب إلى مكة، وهو يروى عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، ومضى هذا الحديث أيضا في "باب من صلى ركعتي الطواف خلف المقام" رواه عن آدم، عن شعبة، عن عمرو بن دينار.

                                                                                                                                                                                  وهذه الأحاديث الثلاثة، عن ابن عمر دلت على أن العمرة عبارة عن الطواف بالبيت سبعا والصلاة بركعتين خلف المقام والسعي بين الصفا والمروة.

                                                                                                                                                                                  وفي التوضيح: واجبات السعي عندنا أربعة: قطع جميع المسافة بين الصفا والمروة، فلو بقي منها بعض خطوة لم يصح سعيه، ولو كان راكبا اشترط أن يسير دابته حتى تضع حافرها على الجبل، وإن صعد على الصفا والمروة فهو أكمل، وكذا فعله سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة بعده، وليس هذا الصعود فرضا ولا واجبا بل هو سنة مؤكدة، وبعض الدرج مستحدث، فالحذر من أن يخلفها وراءه فلا يصح سعيه حينئذ، وينبغي أن يصعد على الدرج حتى يستيقن، ولنا وجه شاذ أنه يجب الصعود على الصفا والمروة قدرا يسيرا، ولا يصح سعيه إلا بذلك ليستيقن قطع جميع المسافة، كما يلزم غسل جزء من الرأس بعد غسل الوجه ليستيقن.

                                                                                                                                                                                  ثانيها: الترتيب، فلو بدأ بالمروة لم يجزه؛ لأنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال: "ابدأوا بما بدأ الله به" وقال صاحب التوضيح: قال في المحيط - من كتب الحنفية -: لو بدأ بالمروة وختم بالصفا أعاد شوطا ولا يجزيه ذلك، والبداءة بالصفا شرط، ولا أصل لما ذكره الكرماني من أن الترتيب في السعي ليس بشرط، حتى لو بدأ بالمروة وأتى الصفا جاز، وهو مكروه لترك السنة، فيستحب إعادة ذلك الشوط.

                                                                                                                                                                                  قلت: الكرماني له كتاب في المناسك، ذكر هذا فيه، وكيف يقول صاحب التوضيح: "ولا أصل لما ذكره الكرماني" بل لا أصل لما ذكره؛ لأنه يحتج بقوله صلى الله عليه وسلم: "ابدؤوا بما بدأ الله به" فكيف يستدل بخبر الواحد على إثبات الفرضية، والحديث إنما يدل على أنه سنة، وقد عمل الكرماني به حيث قال: "ولو بدأ بالمروة يكون مكروها لتركه السنة حتى يستحب إعادته" وهذا هو الأصل في الاستدلال بخبر الواحد، وكذا الجواب عما قيل وحكي عن أبي حنيفة أنه لا يجب الترتيب، ويجوز البداءة بالمروة، والحديث حجة عليه، وأراد بالحديث هو قوله صلى الله عليه وسلم: "ابدؤوا بما بدأ الله به" رواه جابر وأخرجه النسائي.

                                                                                                                                                                                  الثالث: يحسب من الصفا إلى المروة مرة، ومن المروة إلى الصفا مرة حتى يتم سبعا، هذا هو الصحيح.

                                                                                                                                                                                  الرابع: يشترط أن يكون السعي بعد طواف صحيح، سواء كان بعد طواف قدوم أو إفاضة، ولا يتصور وقوعه بعد طواف الوداع، فلو سعى وطاف أعاده، وعند غيرنا أعاده إن كان بمكة، فإن رجع إلى أهله بعث بدم، وشذ إمام الحرمين فقال: قال بعض أئمتنا: لو قدم السعي على الطواف اعتد بالسعي، وهذا غلط، ونقل الماوردي وغيره الإجماع في اشتراط ذلك.

                                                                                                                                                                                  وقال عطاء: يجوز السعي من غير تقدم طواف وهو غريب، وفي التوضيح أيضا: الموالاة [ ص: 291 ] بين مرات السعي سنة، فلو تخلل بيسير أو طويل بينهن لم يضر، وكذا بينه وبين الطواف، ويستحب السعي على طهارة من الحدث والنجس، ساترا عورته، والمرأة تمشي ولا تسعى؛ لأنه أستر لها. وقيل: إن سعت في الخلوة بالليل سعت كالرجل.

                                                                                                                                                                                  وموضع المشي والعدو معروف، والعدو يكون قبل وصوله إلى الميل الأخضر; وهو العمود المبني في ركن المسجد بقدر ستة أذرع إلى أن يتوسط بين العمودين المعروفين، وما عدا ذلك فهو محل المشي، فلو هرول في الكل لا شيء عليه، وكذا لو مشى على هينة.

                                                                                                                                                                                  وعن سعيد بن جبير قال: "رأيت ابن عمر يمشي بين الصفا والمروة ثم قال: إن مشيت فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي، وإن سعيت فقد رأيته يسعى، وأنا شيخ كبير" أخرجه أبو داود، وفي رواية كان يقول لأصحابه: ارملوا، فلو استطعت الرمل لرملت، وعنه قال: رأيت عمر رضي الله تعالى عنه يمشي، أخرجها سعيد بن منصور.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن التين: يكره للرجل أن يقعد على الصفا إلا لعذر، وضعف ابن القاسم في روايته عن مالك رفع يديه على الصفا والمروة .

                                                                                                                                                                                  وقال ابن حبيب: يرفع، وإذا قلنا: يرفع فقال ابن حبيب: يرفعهما حذو منكبيه وبطونهما إلى الأرض، ثم يكبر ويهلل ويدعو. وقال غيره من المتأخرين: الدعاء والتضرع إنما يكون وبطونهما إلى السماء. ولو ترك السعي ببطن المسيل ففي وجوب الدم قولان عن مالك.



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية