الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1443 113 - حدثنا أحمد بن عيسى، قال: حدثنا ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، أن سالم بن عبد الله قال: أخبره أن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يركب راحلته بذي الحليفة، ثم يهل حتى تستوي به قائمة.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إن فيه ذكر الركوب، وذكر الفج العميق، أما الركوب فهو قوله: (يركب راحلته) وأما الفج العميق فهو ذو الحليفة; لأنه لا شك أن بينها وبين مكة عشر مراحل، وهو فج وعميق، وسنبسط الكلام فيها عن قريب إن شاء الله تعالى. وبما ذكرنا سقط اعتراض الإسماعيلي حيث قال: ليس في الحديثين شيء مما ترجم الباب به، ولو وقع في خاطره ما ذكرنا من المطابقة الواضحة لما أقدم إلى الاعتراض.

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله): وهم ستة:

                                                                                                                                                                                  أحمد بن عيسى، أبو عبد الله التستري، مصري الأصل، ولكنه كان يتجر إلى تستر، فنسب إليها، مات سنة ثلاث وأربعين ومائتين، كذا وقع في رواية أبي ذر بنسبته إلى أبيه، ووافقه أبو علي الشبوي، وأهمله الباقون.

                                                                                                                                                                                  وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري. ويونس هو ابن يزيد الأيلي.

                                                                                                                                                                                  وقال صاحب (التلويح) والذي رأيت في (مسند عبد الله بن وهب) رواية يونس بن عبد الأعلى عنه، أنبأنا يونس، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل ملبيا، وابن شهاب محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهم.

                                                                                                                                                                                  وأخرجه مسلم، عن حرملة. والنسائي عن عيسى بن إبراهيم.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه):

                                                                                                                                                                                  قوله: (يركب راحلته) والراحلة من الإبل البعير القوي على الأسفار والأحمال، والذكر والأنثى فيه سواء، والهاء فيها للمبالغة، وهي التي يختارها الرجل لمركبه ورحله على النجابة، وتمام الخلق، وحسن المنظر، فإذا كانت في جماعة الإبل عرفت.

                                                                                                                                                                                  قوله: (بذي الحليفة) بضم الحاء المهملة، وفتح اللام، وسكون الياء آخر الحروف، وفتح الفاء، وفي [ ص: 130 ] آخره هاء، وهي شجرة منها يحرم أهل المدينة، وهي من المدينة على أربعة أميال، ومن مكة على مائتي ميل غير ميلين.

                                                                                                                                                                                  وقيل: بينها وبين المدينة ميل، أو ميلان، والميل ثلث فرسخ، وهو أربعة آلاف ذراع.

                                                                                                                                                                                  وبذي الحليفة عدة آبار، ومسجدان لرسول الله صلى الله عليه وسلم، المسجد الكبير الذي يحرم منه الناس، والمسجد الآخر مسجد المعرس.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن التين: هي أبعد المواقيت من مكة؛ تعظيما لإحرام النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  قوله: (ثم يهل) بضم الياء من الإهلال، وهو رفع الصوت بالتلبية.

                                                                                                                                                                                  قوله: (حتى تستوي) أي: الراحلة.

                                                                                                                                                                                  قوله: (قائمة) نصب على الحال.

                                                                                                                                                                                  (ذكر ما يستفاد منه):

                                                                                                                                                                                  فيه الركوب في سفر الحج، والركوب فيه والمشي سواء في الإباحة، والكلام في الأفضلية، فقال قوم: الركوب أفضل اتباعا للنبي صلى الله عليه وسلم، ولفضل النفقة، فإن النفقة فيه كالنفقة في سبيل الله سبعمائة ضعف، كما أخرجه أحمد من حديث بريدة.

                                                                                                                                                                                  وصحح جماعة أن المشي أفضل، وبه قال إسحاق; لأنه أشد على النفس، وفي حديث صححه الحاكم من حديث ابن عباس مرفوعا: ( من حج إلى مكة ماشيا حتى رجع كتب له بكل خطوة سبعمائة حسنة من حسنات الحرم، قيل: وما حسنات الحرم؟ قال: كل حسنة بمائة ألف حسنة ) وروى محمد بن كعب، عن ابن عباس، قال: ما فاتني شيء أشد علي إلا أن أكون حججت ماشيا; لأن الله تعالى يقول: يأتوك رجالا وعلى كل ضامر أي: ركبانا، فبدأ بالرجال قبل الركبان.

                                                                                                                                                                                  وذكر إسماعيل بن إسحاق، عن مجاهد، قال: أهبط آدم صلى الله عليه وسلم بالهند، فحج على قدميه البيت أربعين حجة. وعن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أن إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام حجا ماشيين، وحج الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما خمسة وعشرين حجة ماشيا، وإن النجائب لتقاد بين يديه، وفعله ابن جريج، والثوري، وفي ( المستدرك ) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، قال: ( حج رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وأصحابه مشاة من المدينة إلى مكة، ثم قال: اربطوا على أوساطكم مآزركم، وامشوا مشيا خلط الهرولة ) ثم قال: صحيح الإسناد.

                                                                                                                                                                                  وفيه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أهل حين استوت راحلته قائمة، واستواؤها كمال قيامها وبه احتج مالك وأكثر الفقهاء على أن يهل الراكب إذا استوت به راحلته قائمة، واستحب أبو حنيفة أن يكون إهلاله عقيب الصلاة إذا سلم منها. وقال الشافعي: يهل إذا أخذت ناقته في المشي.

                                                                                                                                                                                  ومن كان يركب راحلته قائمة -كما يفعله كثير من الحاج اليوم - فيهل على مذهب مالك إذا استوى عليها راكبا.

                                                                                                                                                                                  وقال عياض: جاء في رواية: (أهل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إذا استوت الناقة) وفي رواية أخرى: (حتى إذا استوت به راحلته) وفي أخرى: (حتى تنبعث به صلى الله عليه وسلم ناقته) ولا يفهم منه أخذها في المشي.

                                                                                                                                                                                  وقال أكثر أصحاب مالك: يستحب أن يهل إذا استوت به ناقته إن كان راكبا، وإن كان راجلا فحين يأخذ في المشي.

                                                                                                                                                                                  وقال الشافعي: إن كان راكبا فكذلك.



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية