الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1568 236 - حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا عبد الوهاب قال: وقال لي خليفة: حدثنا عبد الوهاب قال: حدثنا حبيب المعلم، عن عطاء، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أهل النبي صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه بالحج، وليس مع أحد منهم هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم وطلحة، وقدم علي من اليمن ومعه هدي فقال: أهللت بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يجعلوها عمرة ويطوفوا ثم يقصروا ويحلوا، إلا من كان معه الهدي فقالوا: ننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر منيا؟ فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت، ولولا أن معي الهدي لأحللت، وحاضت عائشة رضي الله تعالى عنها فنسكت المناسك كلها غير أنها لم تطف بالبيت، فلما طهرت طافت بالبيت، قالت: يا رسول الله تنطلقون بحجة وعمرة وأنطلق بحج، فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج معها إلى التنعيم، فاعتمرت بعد الحج.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة لا تخفى.

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله): وهم ستة:

                                                                                                                                                                                  الأول: محمد بن المثنى بن عبيد المعروف بالزمن، وقد مر غير مرة.

                                                                                                                                                                                  الثاني: عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي.

                                                                                                                                                                                  الثالث: خليفة -بفتح الخاء المعجمة وبالفاء- بن خياط -من خياطة الثياب- وقد مر في "باب الميت يسمع خفق النعال".

                                                                                                                                                                                  الرابع: حبيب بن ابن قريبة المعلم بلفظ اسم الفاعل من التعليم.

                                                                                                                                                                                  الخامس: عطاء بن أبي رباح.

                                                                                                                                                                                  السادس: جابر بن عبد الله الأنصاري.

                                                                                                                                                                                  (ذكر لطائف إسناده): فيه التحديث بصيغة الجمع في أربعة مواضع.

                                                                                                                                                                                  وفيه العنعنة في موضعين.

                                                                                                                                                                                  وفيه القول في ثلاثة مواضع.

                                                                                                                                                                                  وفيه أنه ذكر هذا الإسناد من طريقين:

                                                                                                                                                                                  الأول: عن محمد بن المثنى، عن عبد الوهاب، عن حبيب.

                                                                                                                                                                                  والثاني: أنه ذكره على سبيل المذاكرة حيث قال: "وقال لي خليفة" لا على سبيل التحمل; فلذلك لم يقل: حدثنا خليفة، مع أنه شيخه، وهو من أفراده.

                                                                                                                                                                                  وفيه أنهم كلهم بصريون إلا عطاء فإنه مكي.

                                                                                                                                                                                  وأخرجه أبو داود في الحج، عن أحمد بن حنبل، عن الثقفي به.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه):

                                                                                                                                                                                  قوله: "قال: وقال" فاعل قال الأول البخاري، وفاعل الثاني ظاهر وهو خليفة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أهل" أي أحرم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "وليس مع أحد" الواو فيه للحال.

                                                                                                                                                                                  قوله: "وطلحة" بالرفع عطف على غير النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "علي" هو ابن أبي طالب رضي الله عنه، وكان صلى الله عليه وسلم أرسله إلى اليمن.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ومعه هدي" جملة اسمية وقعت حالا.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أن يجعلوها" أي الحجة التي أهلوا بها.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ويطوفوا" أي بالبيت وبين الصفا والمروة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ويحلوا" أي ويصيرون حلالا.

                                                                                                                                                                                  قوله: "يقطر" أي منيا بسبب قرب عهدنا بالجماع، أي كنا متمتعين بالنساء.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فبلغ" أي الشأن، يعني بلغ النبي صلى الله عليه وسلم قولهم هذا، وهو أنهم تمتعوا به وقلوبهم لا تطيب به; لأنه صلى الله عليه وسلم غير متمتع، وكانوا يحبون موافقته صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فقال" أي النبي صلى الله عليه وسلم "لو استقبلت من أمري" أي: لو عرفت في أول الحال ما عرفت آخرا من جواز العمرة في أشهر الحج "لما أهديت" أي لكنت متمتعا؛ إرادة لمخالفة أهل الجاهلية ولأحللت من الإحرام; لكن امتنع الإحلال لصاحب الهدي هو [ ص: 294 ] المفرد أو القارن حتى يبلغ الهدي إلى محله، وذلك في أيام النحر لا قبلها.

                                                                                                                                                                                  ويقال: معناه: لو استقبلت هذا الرأي وهو الإحرام بالعمرة في أشهر الحج من أول أمري لم أسق الهدي.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فنسكت المناسك كلها" أي أتت بأفعال الحج كلها غير الطواف بالبيت.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فلما طهرت" بفتح الهاء وضمها.

                                                                                                                                                                                  (ذكر ما يستفاد منه): قال النووي: احتج به من قال: إن التمتع أفضل؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لا يتمنى إلا الأفضل.

                                                                                                                                                                                  وقال الكرماني: فأجاب القائلون بتفضيل الإفراد أنه صلى الله عليه وسلم إنما قال من أجل فسخ الحج إلى العمرة الذي هو خاص بهم في تلك السنة فقط مخالفة للجاهلية، وقال هذا الكلام؛ تطييبا لقلوب أصحابه; لأن نفوسهم كانت لا تسمح بفسخ الحج.

                                                                                                                                                                                  قلت: قال الطبري: وجملة الحال له أنه لم يكن متمتعا لأنه قال: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت" يعني ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة، ولا كان مفردا; لأن الهدي كان واجبا كما قال، وذلك لا يكون إلا للقارن.

                                                                                                                                                                                  وفيه فسخ الحج إلى العمرة; لكن نقول: إنه كان مخصوصا بهم في تلك السنة، وإنه لا يجوز اليوم إلا عند ابن عباس، وبه قال أحمد وداود الظاهري.

                                                                                                                                                                                  وفيه دليل على جواز الأمرين، وأنه لولا ما سبق من سوقه صلى الله عليه وسلم الهدي لحل معهم، إلا أن السنة فيمن ساق الهدي أنه لا يحل إلا بعد بلوغ الهدي محله وهو نحره يوم النحر، قال القاضي: وفيه دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان مهلا بالحج.

                                                                                                                                                                                  قلت: يعني لم يكن معتمرا بل كان قارنا كما قاله الطبري.

                                                                                                                                                                                  وقال الطحاوي رحمه الله: احتج بهذا الحديث قوم على جواز فسخ الحج في العمرة، وقالوا: من طاف من الحجاج بالبيت قبل وقوفه بعرفة ولم يكن ممن ساق الهدي فإنه يحل.

                                                                                                                                                                                  قلت: أراد بهؤلاء القوم جماعة الظاهرية وأحمد، ثم قال: وخالفهم آخرون فقالوا: ليس لأحد دخل في حجة أن يخرج منها إلا بتمامها، ولا يحله شيء منها قبل يوم النحر من طواف ولا غيره.

                                                                                                                                                                                  قلت: أراد بالآخرين جماهير التابعين والفقهاء منهم أحمد وأبو حنيفة ومالك والشافعي وأصحابهم، ثم أجاب عن ذلك بمثل ما ذكرنا الآن أنه كان خاصا لهم في حجتهم تلك دون سائر الناس بعدهم، ثم قال: والدليل على أن ذلك كان خاصا للصحابة الذين حجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم دون غيرهم حديث بلال بن الحارث قال: "قلت: يا رسول الله أرأيت فسخ حجنا هذا لنا خاصة أم للناس عامة؟ قال: بل لكم خاصة" وأخرجه أبو داود وابن ماجه.



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية