الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  هذا تعليل لقوله: "ولا يجد غنى يغنيه" لأنه قال في الحديث: "المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن به فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس" ووصف المسكين بثلاثة أوصاف، منها عدم قيامه للسؤال، وذلك لا يكون إلا لتعففه وحصر نفسه عن ذلك، وعلل ذلك المسكين الموصوف بهذه الأوصاف الذي ذكر منها البخاري عدم وجدان الغنى، واكتفى به بقوله تعالى: للفقراء الذين أحصروا الآية، وكان حصرهم لأنفسهم عن السؤال للتعفف وعدم ضربهم في الأرض خوفا من فوات صحبة النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا عن قريب، وأما اللام التي في قوله للفقراء الذين أحصروا فلبيان مصرف الصدقة وموضعها؛ لأنه قال قبل هذا: وما تنفقوا من خير فلأنفسكم ثم بين مصرف ذلك وموضعه بقوله للفقراء إلى آخره، وقد تصرف الكرماني هنا تصرفا عجيبا لا يقبله من له أدنى معرفة في أحوال تراكيب الكلام، فقال: للفقراء الذين عطف على لا يسألون وحرف العطف مقدر، أو هو حال بتقدير لفظ قائلا، ثم قال: فإن قلت: في بعضها لقول الله تعالى للفقراء قلت: معناه: شرط في السؤال عدم وجدان الغنى لوصف الله الفقراء بـ لا يستطيعون ضربا في الأرض إذ من استطاع ضربا فيها فهو واجد لنوع من الغنى، انتهى.

                                                                                                                                                                                  قلت: كان في نسخة: وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ولا يجد غنى يغنيه" "للفقراء الذين" فقال: هذا عطف على "لا يسألون". فليت شعري أي وجه لهذا العطف، ولا عطف هنا أصلا؟! وأي ضرورة دعت إلى ارتكابه تقدير حرف العطف الذي لا يجوز حذف حرف العطف إلا في موضع الضرورة على الشذوذ أو في الشعر كذلك ولا ضرورة هنا أصلا؟! ثم لما وقف على نسخة فيها: لقول الله عز وجل: للفقراء سأل السؤال المذكور، وأجاب بالجوابين المذكورين اللذين تمجهما الأسماع ويتركهما أهل اليراع.

                                                                                                                                                                                  وقال بعضهم: اللام في قوله: "لقول الله" لام التعليل؛ لأنه أورد الآية تفسيرا لقوله في الترجمة: وكم [ ص: 60 ] الغنى؟ قلت: وهذا أعجب من ذلك؛ لأن التعليل لا يقال له التفسير، ويفرق بينهما من له أدنى مسكة في التصرف في علم من العلوم، وباقي الكلام في الآية الكريمة تقدم آنفا.



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية