الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1491 159 - حدثنا إسماعيل، قال: حدثني مالك. ح.

                                                                                                                                                                                  وحدثنا عبد الله بن يوسف، قال: أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن حفصة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: يا رسول الله ما شأن الناس حلوا بعمرة ولم تحلل أنت من عمرتك؟ قال: إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  هذان طريقان أحدهما عن إسماعيل بن أبي أويس واسمه عبد الله الأصبحي المدني ابن أخت مالك بن أنس، يروي عن مالك عن نافع، والآخر عن عبد الله بن يوسف التنيسي عن مالك عن نافع.

                                                                                                                                                                                  وفيه رواية الصحابي عن الصحابية عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواية الأخ عن أخته؛ لأن حفصة بنت عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر أخوها.

                                                                                                                                                                                  ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره:

                                                                                                                                                                                  أخرجه البخاري في موضعين في الحج عن عبد الله بن يوسف.

                                                                                                                                                                                  وفيه وفي اللباس عن إسماعيل، وفي الحج أيضا عن مسدد عن يحيى بن سعيد، وفي المغازي عن إبراهيم بن المنذر.

                                                                                                                                                                                  وأخرجه مسلم في الحج عن يحيى بن يحيى عن مالك به. وعن محمد بن عبد الله. وعن محمد بن المثنى. وعن أبي بكر بن أبي شيبة.

                                                                                                                                                                                  وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي عن مالك به.

                                                                                                                                                                                  وأخرجه النسائي فيه عن عبيد الله بن سعيد. وعن محمد بن سلمة.

                                                                                                                                                                                  وأخرجه ابن ماجه فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة به.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه):

                                                                                                                                                                                  قوله: (حلوا بعمرة) لم يقع لفظة "بعمرة" في رواية مسلم.

                                                                                                                                                                                  وقال أبو عمر: زعم بعض الناس أنه لم يقل أحد في هذا الحديث عن نافع: "ولم تحلل أنت عن عمرتك" إلا مالك وحده، قال: وهذه اللفظة قالها عن نافع جماعة منهم عبيد الله بن عمر، وأيوب بن أبي تميمة، وهما ومالك حفاظ أصحاب نافع.

                                                                                                                                                                                  وقال أبو عمر: لما لم يكن لأحد من العلماء سبيل إلى الأخذ بكل ما تعارض وتدافع من الآثار في هذا الباب ولم يكن بد من المصير إلى وجه واحد منها صار كل واحد إلى ما صح عنده بمبلغ اجتهاده.

                                                                                                                                                                                  وقال السفاقسي في قولها: (ما شأن الناس حلوا ولم تحلل أنت من عمرتك) يحتمل أن تريد من حجتك؛ لأن معناهما متقارب، يقال: حج الرجل البيت إذا قصده واعتمره إذا قصده، فعبرت بأحدهما عن الآخر وإن كان كل واحد منهما يقع على نوع مخصوص من القصد والنسك.

                                                                                                                                                                                  وقيل: إنها لما سمعته يأمر الناس بسرف بفسخ الحج في العمرة ظنت أنه فسخ الحج فيها.

                                                                                                                                                                                  وقيل: اعتقدت أنه كان معتمرا.

                                                                                                                                                                                  وقال القرطبي: قولها وقول ابن عباس: (من عمرتك) أي بعمرتك، كما قال تعالى: يحفظونه من أمر الله أي بأمر الله، عبر بالإحرام بالعمرة عن القران؛ لأنها السابقة في إحرام القارن، قولا ونية، ولا سيما على ما ظهر من حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم كان مفردا.

                                                                                                                                                                                  قوله: (ولم تحلل) بكسر اللام الأولى، أي لم تحل، وفك فيه الإدغام، وقد علم أن في مثل هذا الموضوع يجوز الوجهان الإدغام وفكه.

                                                                                                                                                                                  قوله: (لبدت) بتشديد الباء الموحدة من التلبيد وهو أن يجعل المحرم في رأسه شيئا من الصمغ ليجتمع الشعر، ولئلا يقع فيه القمل.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وقلدت) من تقليد الهدي، وهو تعليق شيء في عنق الهدي من النعم ليعلم أنه هدي.

                                                                                                                                                                                  قوله: (حتى أنحر) أي الهدي.

                                                                                                                                                                                  [ ص: 202 ] ذكر ما يستفاد منه:

                                                                                                                                                                                  فيه أن من ساق الهدي لا يتحلل من عمل العمرة حتى يهل بالحج ويفرغ منه.

                                                                                                                                                                                  وفيه: أنه لا يحل حتى ينحر هديه، وهو قول أبي حنيفة وأحمد.

                                                                                                                                                                                  وفيه: استحباب التلبيد والتقليد.

                                                                                                                                                                                  وفيه: دليل أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان قارنا؛ لأن ثمة عمرة.

                                                                                                                                                                                  قال الكرماني: فما دخل التلبيد في الإحلال وعدمه؟ ثم أجاب بقوله: الغرض بيان أني مستعد من أول الأمر بأن يدوم إحرامي إلى أن يبلغ الهدي محله.



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية