الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1391 62 - (حدثنا عمر بن حفص بن غياث، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا الأعمش، عن المعرور بن سويد، عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: والذي نفسي بيده، أو: والذي لا إله غيره، أو كما حلف، ما من رجل تكون له إبل أو بقر أو غنم لا يؤدي حقها إلا أتي بها يوم القيامة أعظم ما تكون وأسمنه تطؤه بأخفافها وتنطحه بقرونها، كلما جازت أخراها ردت عليه أولاها حتى يقضى بين الناس).

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة مثل الذي ذكرناه في الحديث السابق.

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله) وهم خمسة كلهم قد ذكروا، والأعمش [ ص: 27 ] هو سليمان، والمعرور -بفتح الميم وسكون العين المهملة وبالراء المكررة- مر في باب المعاصي في كتاب الإيمان.

                                                                                                                                                                                  وأخرجه البخاري أيضا في النذور مقطعا، وأخرجه مسلم في الزكاة عن أبي بكر بن أبي شيبة وعن أبي كريب وعن أبي معاوية، ثلاثتهم عن الأعمش عنه به، وأخرجه الترمذي فيه عن هناد به، وعن محمد بن عبد الله بن المبارك، وأخرجه ابن ماجه فيه عن علي بن محمد، عن وكيع به مختصرا: "ما من صاحب إبل ..." الحديث.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه):

                                                                                                                                                                                  قوله: "انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم" ويروى "انتهيت إليه" أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، هكذا فسره الكرماني أيضا.

                                                                                                                                                                                  وقال صاحب التلويح: انتهيت إليه يعني إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية مسلم: "انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم" وفي رواية الترمذي: "جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم".

                                                                                                                                                                                  أما رواية مسلم فقال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا الأعمش، عن المعرور بن سويد، عن أبي ذر، قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ظل الكعبة، فلما رآني قال: "هم الأخسرون ورب الكعبة ..." الحديث. وفيه: "ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه تنطحه بقرونها وتطؤه بأخفافها، كلما نفدت أخراها عادت عليه أولاها حتى يقضى بين الناس" وأما رواية الترمذي فقال: حدثنا هناد بن السري، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن المعرور بن سويد، عن أبي ذر، قال: جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ظل الكعبة، قال: فرآني مقبلا، فقال: "هم الأخسرون ورب الكعبة يوم القيامة ".. الحديث. وفيه: ثم قال: "والذي نفسي بيده لا يموت رجل فيدع إبلا أو بقرا لم يؤد زكاتها إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه، تطؤه بأخفافها وتنطحه بقرونها، كلما نفدت ..." إلى آخره نحو رواية مسلم.

                                                                                                                                                                                  وقال بعضهم: قوله: "قال انتهيت إليه" هو مقول المعرور، والضمير يعود على أبي ذر وهو الحالف، انتهى.

                                                                                                                                                                                  قلت: رواية مسلم والترمذي تظهر غلط هذا القائل، وهذان العمدتان في هذا الأمر يصرحان أن قوله: "انتهيت" مقول أبي ذر وليس بمقول المعرور، وأن الحالف هو النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أو كما حلف" يعني حالفا بلا خلاف، ولكن أبا ذر تردد بين هذه الألفاظ ولم يضبطها كما وقع قوله: "ما من رجل" مقول قوله: "قال والذي نفسي بيده" وهذه الجملة معترضة بين قال ومقوله.

                                                                                                                                                                                  قوله: "لا يؤدي حقها" أي زكاتها، وكذا صرح في رواية مسلم حيث قال "لا يؤدي زكاتها".

                                                                                                                                                                                  قوله: "أتي بها" بضم الهمزة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أعظم" نصب على الحال.

                                                                                                                                                                                  قوله: "وأسمنه" الضمير فيه يرجع إلى ما يكون.

                                                                                                                                                                                  قوله: "وتنطحه" بكسر عينه وهو الذي اختاره ثعلب في الفصيح، وماضيه نطح بفتح العين، قال القزاز: النطح ضرب الكبش برأسه، وحكى المطرز في شرحه: ينطح بفتح العين في المستقبل وفي الماضي بالتشديد نطح.

                                                                                                                                                                                  قلت: ليس هذا من ذلك ولا يأتي من فعل بالتشديد إلا يفعل كذلك بالتشديد.

                                                                                                                                                                                  وقيل: النطح مخصوص بالكباش، وكان ابن خروف يخطئه في ذلك، وقد استعمل في غير الكباش، وحكى ابن قتيبة: نطح الكبش والثور، وحكى اللغويون: نطح الشجاع قرنه فصرعه، وفي كتاب الفصيح: نطح الكبش وغيره ينطح، وفي المنتهى لأبي المعاني: وتناطحت الأمواج.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن درستويه في كتابه "شرح الفصيح": النطح بالقرنين أو الرأسين، ويخص بذلك الكباش؛ لأنها مولعة به، حتى إن الأقران في الحرب تشبه بها، فيقال: تناطحوا، وانتطحوا، ونطح فلان قرنه فصرعه.

                                                                                                                                                                                  قوله: "بأخفافها" جمع خف، فالخف للبعير، كما أن القرن للبقر والغنم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "كلما جازت" أي مرت.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ردت" على صيغة المجهول، ويروى على صيغة المعلوم، فالفاعل إما الأولى وإما الأخرى.

                                                                                                                                                                                  قوله: "عليه" أي على رجل له إبل وهو المذكور، ومعناه: يعاقب بهذه العقوبة "حتى يقضى بين الناس" أي: إلى أن يفرغ الحساب.



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية