الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
أنبأنا محمد بن المهاجر ، حدثنا محمد بن موسى الأخباري ، حدثنا محمد بن صالح العدوي ، حدثنا الحسين بن جعفر بن سليمان الضبعي قال: سمعت أبي يقول: سمعت مالكا يقول " الناس أشكال كأجناس الطير، الحمام مع الحمام، والغراب مع الغراب، والبط مع البط، والصعو مع الصعو وكل إنسان مع شكله ".

وأنشدني المنتصر بن بلال الأنصاري :


يزين الفتى في قومه ويشينه وفي غيرهم: أخدانه ومداخله     لكل امرئ شكل من الناس مثله
وكل امرئ يهوى إلى من يشاكله



وأنشدني محمد بن عبد الله بن زنجي البغدادي :


إن كنت حلت، وبي استبدلت مطرحا     ودا، فلم تأت مكروها ولا بدعا
فكل طير إلى الأشكال موقعها     والفرع يجري إلى الأعراق منتزعا



قال أبو حاتم رضي الله عنه: العاقل يجتنب مماشاة المريب في نفسه، ويفارق صحبة المتهم في دينه، لأن من صحب قوما عرف بهم، ومن عاشر امرأ نسب [ ص: 110 ] إليه، والرجل لا يصاحب إلا مثله أو شكله، فإذا لم يجد المرء بدا من صحبة الناس تحرى صحبة من زانه إذا صحبه، ولم يشنه إذا عرف به، وإن رأى منه حسنة عدها، وإن رأى منه سيئة سترها، وإن سكت عنه ابتدأه، وإن سأله أعطاه.

فأما اليوم فأكثر أحوال الناس تكون ظواهرها بخلاف بواطنها. وما أشبه عشرتهم إلا بما أخبرني محمد بن يعقوب البغلاني ، حدثني عبد الصمد بن الفضل ، حدثنا الحسين بن سهل التياس ، عن أبي عبيدة " قال تكلم عصفور في بني إسرائيل مع فخ، فقال العصفور: انحناؤك لماذا؟ قال: من العبادة. قال: دفنك في التراب لماذا؟ قال: من التواضع. قال: فما هذا الشعر؟ قال هذا لباسي قال: ما هذا الطعام؟ قال هذا أعددته لعابر السبيل. قال: فتأذن لي فيه؟ قال: نعم. قال: فنقر العصفور نقرة فأخذ بعنقه، فجعل العصفور يقول: شغ شغ شغ. وقال: والله لا يغرني قارئ بعدك أبدا ".

وأنشدني محمد بن أبي علي ، لابن أبي اللقيش :


إن كنت تبغي العلم أو نحوه     أو شاهدا يخبر عن غائب
فاعتبر الأرض بأسمائها     واعتبر الصاحب بالصاحب



وأنشدني محمد بن إسحاق بن حبيب الواسطي :


تعارف أرواح الرجال إذا التقوا     فمنهم عدو يتقى وخليل
كذاك أمور الناس والناس منهم     خفيف إذا صاحبته وثقيل



وأنشدني المنتصر بن بلال الأنصاري :


اجعل قرينك من رضيت فعاله     واحذر مقارنة القرين الشائن
كم من قرين شائن لقرينه     ومهجن منه لكل محاسن



قال أبو حاتم رضي الله عنه: إن من الناس من إذا رآه المرء يعجب به، [ ص: 111 ] فإذا ازداد به علما ازداد به عجبا، ومنهم من يبغضه حين يراه، ثم لا يزداد به علما إلا ازداد له مقتا، فاتفاقهما يكون باتفاق الروحين قديما. وافتراقهما يكون بافتراقهما، وإذا ائتلفا ثم افترقا فراق حياة من غير بغض حادث، أو فراق ممات، فهنالك الموت الفظيع، والأسف الوجيع، ولا يكون موقف أطول غمة، وأظهر حسرة وأدوم كآبة، وأشد تأسفا، وأكثر تلهفا من موقف الفراق بين المتواخيين، وما ذاق ذائق طعما أمر من فراق الخلين، وانصرام القرينين.

التالي السابق


الخدمات العلمية