الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
أنبأنا محمد بن المهاجر ، حدثنا ابن أبي شيبة ، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن يحيى بن المختار، عن الحسن قال: "المؤمن شعبة من المؤمن، وهو مرآة أخيه، إن رأى منه ما لا يعجبه سدده، وقومه، ونصحه السر والعلانية"، وأنشدني علي بن محمد البسامي:


أمنت على السر امرءا غير حازم ولكنه في النصح غير مريب [ ص: 196 ]     فذاع به في الناس، حتى كأنما
بعلياء نار أوقدت بثقوب     فما كل ذي لب بمؤتيك نصحه
وما كل مؤت نصحه بلبيب     ولكن إذا ما استجمعا عند واحد
فحق له من طاعة بنصيب



سمعت محمد بن نصر بن نوفل المروزي يقول: سمعت أبا داود السنجي يقول: سمعت ابن الأعرابي يقول: قال بعض الحكماء: "اثنان ظالمان: رجل أهديت له النصيحة فاتخذها ذنبا، ورجل وسع له في مكان ضيق فجلس متربعا".

قال أبو حاتم - رضي الله عنه - : النصيحة محاطة بالتهمة، وليست النصيحة إلا لمن قبلها، كما أن الدنيا ليست إلا لمن تركها، ولا الآخرة إلا لمن طلبها، وليس على كل ذي نصح إلا الجهد، ولو لم يقبل من نصحائه ما يثقل عليه لم يحمد غب رأيه، ومشاورة الأصم أحمد من الناصح المعرض عنه، ومن بذل نصيحة لمن لا يشكر كان كالباذر في السباخ، وأكثر ما يوجد ترك قبول النصيحة من المعجب برأيه، وأنشدني الأبرش:


إذا نصحت لذي عجب لترشده     فلم يطعك، فلا تنصح له أبدا
فإن ذا العجب لا يعطيك طاعته     ولا يجيب إلى إرشاده أحدا
وما عليك، وإن غاو غوى حقبا     إن لم يكن لك قربى، أو يكن ولدا



قال أبو حاتم - رضي الله عنه - : النصيحة تجب على الناس كافة على ما ذكرنا قبل، ولكن إبداؤها لا يجب إلا سرا؛ لأن من وعظ أخاه علانية فقد شانه، ومن وعظه سرا فقد زانه، فإبلاغ المجهود للمسلم فيما يزين أخاه أحرى من القصد فيما يشينه.

ولقد أنبأنا محمد بن عثمان العقبي ، حدثنا الرمادي ، حدثنا علي بن المديني ، حدثنا سفيان، قال: قلت لمسعر: "تحب أن يخبرك رجل بعيوبك؟ قال: أما أن يجيء إنسان فيوبخني بها فلا، وأما أن يجيء ناصح فنعم".

التالي السابق


الخدمات العلمية