الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ذكر الحث على تعلم الأدب ولزوم الفصاحة

حدثنا الحسين بن إدريس الأنصاري ، أنبأنا أحمد بن أبي بكر ، عن مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن عمر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن من البيان لسحرا".

قال أبو حاتم - رضي الله عنه - : قد شبه النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الخبر البيان بالسحر؛ إذ الساحر يستميل قلب الناظر إليه بسحره وشعوذته، والفصيح الذرب اللسان يستميل قلوب الناس إليه بحسن فصاحته، ونظم كلامه، فالأنفس تكون إليه تائقة، والأعين إليه رامقة.

ولقد حدثنا أبو خليفة ، حدثنا أبو محمد التوزي النحوي ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنا حبان بن علي، قال: سمعت ابن شبرمة يقول: ما رأيت لباسا على رجل أحسن من فصاحة، ولا على امرأة من شحم، وإن الرجل ليتكلم فيعرب، فكأن عليه الخز الأدكن، وإن الرجل ليتكلم فيلحن فكأن عليه أسمالا، إن أحببت أن يصغر في عينك الكبير، ويكبر في عينك الصغير، فتعلم النحو. وأنشدني الكريزي:


أكرم بذي أدب أكرم بذي حسب فإنما العزم في الأحساب والأدب     والناس صنفان ذو عقل وذو أدب
كمعدن الفضة البيضاء والذهب     وسائر الناس من بين الورى همج
كانوا موالي أو كانوا من العرب



وأنشدني البسامي:

[ ص: 220 ]

ليس المسود من بالمال سؤدده     بل المسود من قد ساد بالأدب
لأن من ساد بالأموال سؤدده     ما دام في جمع ذا الأموال والنشب
إن قل يوما له مال يصير إلى     هون من الأمر في ذل وفي تعب



قال أبو حاتم - رضي الله عنه - : الفصاحة أحسن لباس يلبسه الرجل، وأحسن إزار يتزر به العاقل، والأدب صاحب في الغربة، ومؤنس في القلة، وزين في المحافل، وزيادة في العقل، ودليل على المروءة، ومن استفاد الأدب في حداثته انتفع به في كبره؛ لأن من غرس فسيلا يوشك أن يأكل رطبها، وما يستوي عند أولي النهى، ولا يكون سيان عند ذوي الحجى رجلان: أحدهما يلحن، والآخر لا يلحن.

وقد حدثنا الحسين بن محمد بن مصعب السمجي ، حدثنا أبو داود ، حدثنا عبد الله بن بكر بن حبيب ، حدثنا أبي، عن سالم بن قتيبة، قال: كنت عند ابن هبيرة، فجرى الحديث، حتى ذكروا العربية، فقال: والله ما استوى رجلان حسبهما واحد، ومروءتهما واحدة، أحدهما يلحن، والآخر لا يلحن، إلا أن أفضلهما في الدنيا والآخرة الذي لا يلحن، قال: فقلت: أصلح الله الأمير! هذا أفضل في الدنيا لفضل فصاحته وعربيته، أرأيت الآخرة ما باله فضل فيها؟ قال: إنه يقرأ كتاب الله على ما أنزل، والذي يلحن يحمله لحنه على أن يدخل في كتاب الله ما ليس فيه، ويخرج منه ما هو فيه، قال: قلت: صدق الأمير، وبر.

وأنشدني محمد بن عبد الله البغدادي:


أيها الطالب فخرا بالنسب     إنما الناس لأم ولأب
هل تراهم خلقوا من فضة     أو حديد أو نحاس أو ذهب؟
أو ترى فضلهم في خلقهم     هل سوى لحم وعظم وعصب؟
إنما الفضل بحلم راجح     وبأخلاق كرام وأدب [ ص: 221 ]
ذاك من فاخر في الناس به     فاق من فاخر منهم وغلب



وأنشدني محمد بن نصر بن نوفل، أنشدني عبد العزيز بن أحمد بن بكار إمام مسجد مكة:


ما حلة نسجت بالدر والذهب     إلا وأحسن منها المرء بالأدب



التالي السابق


الخدمات العلمية