الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
حدثنا عمرو بن محمد ، حدثنا الغلابي ، حدثنا العقبي، قال: مر سعيد بن العاص بدار رجل بالمدينة فاستسقى، فسقوه، ثم مر بعد ذلك بالدار، ومناد ينادي عليها فيمن يزيد، فقال لمولاه: سل، لم تباع هذه؟ فرجع إليه، فقال: على صاحبها دين، قال: فارجع إلى الدار، فرجع فوجد صاحبها جالسا وغريمه معه، فقال: لم تبيع [ ص: 264 ] دارك؟ قال: لهذا علي أربعة آلاف دينار، فنزل وتحدث معهما، وبعث غلامه، فأتاه ببدرة، فدفع إلى الغريم أربعة آلاف، ودفع الباقي إلى صاحب الدار، وركب، ومضى.

وأنشدني المنتصر بن بلال:


ومن يسد معروفا إليك، فكن له شكورا يكن معروفه غير ضائع     ولا تبخلن بالشكر، والقرض فاجزه
تكن خير مصنوع إليه وصانع



وأنشدني بعض أهل العلم:


فكن شاكرا للمنعمين لفضلهم     وأفضل عليهم إذ قدرت وأنعم
ومن كان ذا شكر فأهل زيادة     وأهل لبذل العرف من كان ينعم



وأنشدني الكريزي:


أحق الناس منك بحسن عون     لمن سلفت لكم نعم عليه
وأشكرهم أحقهم جميعا     بحسن صنيعة منكم إليه



قال أبو حاتم - رضي الله عنه - : الحر لا يكفر النعمة، ولا يتسخط المصيبة، بل عند النعم يشكر، وعند المصائب يصبر، ومن لم يكن لقليل المعروف عنده وقع أوشك أن لا يشكر الكثير منه، والنعم لا تستجلب زيادتها، ولا تدفع الآفات عنها إلا بالشكر لله - جل وعلا - ولمن أسداها إليه.

ولقد حدثني أحمد بن محمد القيسي ، حدثني محمد بن المنذر ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم القرشي، قال: سمعت أبا عبيدة معمر بن المثنى يقول: ماتت لعبيد بن معمر بنت، فقعد في المأتم في مسجده في سكة سبانوش، فجاء عبيد الله بن أبي بكرة معزيا، وإذا الأشراف قد أخذوا مواضعهم، فنظر إليه رجل قد كان سبق إلى مجلسه مع الأشراف قد عرفه، فقام قائما، وجعل يقول له: ها هنا، حتى أخذ بيده، فأقعده في مجلسه، ثم ذهب، فقعد في أخريات الناس، فأمر عبيد الله غلاما كان معه أن يتعاهده إلى قيامه، فلما قام دعا الرجل، فقال: أتعرفني؟ قال: نعم، قال: من أنا؟ قال: أنت عبيد الله بن أبي بكرة صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 265 ] قال: فما حملك على تركك مجلسك لي؟ قال: إجلال لولد أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما أوجب الله على أمثالي خصوصا من التبجيل، فقال له عبيد الله: هل لك على أن تصحبنا إلى ضيعة نريد أن نصير إليها؟ قال: نعم، قال: فصحبه الرجل إلى تلك الضيعة في نهر مكحول، ضيعة فيها ثلاثمائة جريب نخل، وعلى وجه الضيعة قصر بني بآجر وجص، وخشب ساج، فلما دخل الضيعة أخذ عبيد الله بيد الرجل، وجعل يدور به في تلك النخيل، فقال للرجل: كيف ترى هذه الضيعة؟ قال: تالله ما رأيت نخيلا أحسن منها، ولا أكثر ثمرة، ولا أسرى ضيعة منها، قال: قد جعلناها لك بما فيها من الخدم والآلة، نبعث إليك بصكها، قال: فاستطار الرجل فرحا وبكاء، وقال: أنعشتني وأنعشت عيالي، فقال عبيد الله: وكم لك من العيال؟ قال: ثلاثة عشر نفسا، قال: فإني قد جعلت اسم عيالك في اسم عيالي، أنفق عليهم ما عشت، فقال له عبيد الله: من تكون له مثل هذه الضيعة يحتاج أن يكون منزله في سرة البصرة، إذا صرنا إلى منزلنا فاغد علينا نأمر لك بشراء دار تشبه هذه الضيعة، ورأس مال، وخدم تصلح لدارك، تعيش بها إن شاء الله، قال: فغدا الرجل عليه، فأمر له بشراء دار بخمسة آلاف دينار، وأعطاه عشرة آلاف دينار، ودفع إليه صك الضيعة، وأمر له بدابة، وبغل، وسائس، وكسوة، وصرفه.

وأنشدني الأبرش:


الشكر يفتح أبوابا مغلقة     لله فيها على من رامه نعم
فبادر الشكر واستغلق وثائقه     واستدفع الله ما تجري به النقم



التالي السابق


الخدمات العلمية