الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
حدثني محمد بن عبدل بن المهدي الشعراني ، حدثنا محمد بن يزيد الطرسوسي ، حدثنا ابن عائشة، قال: قال أبي: "جاء رجل إلى يحيى بن طلحة بن عبيد الله، فقال له: هب لي شيئا، قال: يا غلام أعطه ما معك، فأعطاه عشرين ألفا، فأخذها ليحملها فثقلت عليه، فقعد يبكي، فقال: ما يبكيك؟ لعلك استقللتها فأزيدك، قال: لا والله ما استقللتها، ولكن بكيت على ما تأكل الأرض من كرمك، فقال له يحيى: هذا الذي قلت لنا أكثر مما أعطيناك".

قال أبو حاتم - رضي الله عنه - : لا يجب الإلحاف عند السؤال في الحوائج؛ لأن شدة الاجتهاد ربما كانت سببا للحرمان والمنع، والطالب للفلاح كالضراب بالقداح؛ سهم له، وسهم عليه، فإن أعطي وجب عليه الحمد، وإن منع لزمه الرضاء بالقضاء، ولا يجب أن يكون السؤال إلا في ديار القوم ومنازلهم، لا في المحافل والمساجد والملأ؛ لأن محمد بن محمود النسائي حدثنا قال: حدثنا علي بن خشرم ، حدثنا جرير بن عبد الحميد الضبي ، عن حنيف المؤذن، قال: قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : "لا تسألوا الناس في مجالسهم ومساجدهم [ ص: 249 ] فتفحشوهم، ولكن سلوهم في منازلهم، فمن أعطى أعطى، ومن منع منع".

قال أبو حاتم - رضي الله عنه - : الذي قاله عمر بن الخطاب - رحمة الله عليه ورضوانه - إذا كان المسؤول كريما، فإنه إن سئل الحاجة في نادي قومه، ولم يكن عنده قضاؤها تشور، وخجل، وأما إذا كان المسؤول لئيما ودفع المرء إلى مسألته في الحاجة تقع له، فإنه إن سأله في مجلسه ومسجده كان ذلك أقضى لحاجته؛ لأن اللئيم لا يقضي الحاجة ديانة، ولا مروءة، وإنما يقضيها إذا قضاها طلبا للذكر، والمحمدة في الناس.

على أني أستحب للعاقل أن لو دفعه الوقت إلى أكل القد ومص الحصى، ثم صبر عليه لكان أحرى به من أن يسأل لئيما حاجة؛ لأن إعطاء اللئيم شين، ومنعه حتف.

ولقد أنشدني محمد بن عبد الله البغدادي:


إذا أعطى القليل فتى شريف فإن قليل ما يعطيك زين     وإن تكن العطية من دني
فإن كثير ما يعطيك شين



التالي السابق


الخدمات العلمية