الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ذكر الزجر عن تهاجر المسلمين كافة.

حدثنا أبو يعلى الموصلي ، حدثنا وهب بن بقية الواسطي ، حدثنا خالد بن عبد الله ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن الزهري ، عن أنس، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تباغضوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا.

قال أبو حاتم - رضي الله عنه - : لا يحل التباغض، ولا التنافس، ولا التحاسد، ولا التدابر بين المسلمين، والواجب عليهم أن يكونوا إخوانا كما أمرهم الله ورسوله، فإذا تألم واحد منهم تألم الآخر بألمه، وإذا فرح فرح الآخر بفرحه، ينفي الغش والدغل، مع استسلام الأنفس لله عز وجل، مع الرضا بما يوجب القضاء في الأحكام كلها، ولا يجب الهجران بين المسلمين عند وجود زلة من أحدهما، بل يجب عليهما صرفها إلى الإحسان، والعطف عليه بالإشفاق، وترك الهجران.

ولقد حدثني محمد بن المهاجر ، حدثني موسى بن محمد الأخباري ، عن النميري ، حدثني محمد بن يحيى النكتاني، قال: أنشدني أبو غزية ، لمعاوية بن عبد الله بن جعفر:


لا يزهدنك في أخ لك أن تراه زل زله     والمرء يطرحه الذين
يلونه في شر أله     ويخونه من مأمن
أهل البطانة والدخله [ ص: 205 ]     والموت أعظم حادث
مما يمر على الجبله



أنشدني محمد بن الحسن بن قتيبة، أنشدني حميد بن عياش:


ولا تك في حب الأخلاء مفرطا     فإن أنت أبغضت البغيض فأجمل
فإنك لا تدري متى أنت مبغض     حبيبك أو تهوى البغيض فأعقل



وأنشدني عمرو بن محمد بن عبد الله النسوي ، لثعلب:


وما صدود ذوات الدل يرمضني     لكنما الموت عندي صد إخواني
إني لأصبر من عود به جلب     عند الملمات إلا عند هجران
إذا رأيت ازورارا من أخي ثقة     ضاقت علي برحب الأرض أوطاني



وأنشدني الأبرش:


ابل الرجال إذا أردت إخاءهم     وتوسمن أمورهم وتفقد
فإذا ظفرت بذي اللبابة والتقى     فبه اليدين قرير عين فاشدد
فمتى يزل، ولا محالة، زلة     فعلى أخيك بفضل حلمك فاردد
وإذا الخنى نقض الحبى في مجلس     ورأيت أهل الطيش قاموا فاقعد



قال أبو حاتم - رضي الله عنه - : لا يجب للمرء أن يدخل في جملة العوام والهمج بإحداث الود لإخوانه، وتكديره لهم بالخروج بالسبب الذي يؤدي إلى الهجران الذي نهى المصطفى - صلى الله عليه وسلم - عنه بينهم، بل يقصد قصده الإغضاء عن ورود الزلات، ويتحرى ترك المناقشة على الهفوات، ولا سيما إذا قيل في أحدهم الشيء الذي يحتمل أن يكون حقا وباطلا معا، فإن الناس ليس يخلو وصلهم من رشق أسهم العذال فيه.

ولقد سمعت محمد بن عثمان العقبي يقول: سمعت عبد العزيز بن عبد الله يقول: قال محمد بن حميد:


ومن ذا من عيوب الناس ناج     بحق قيل فيه، أو قراف [ ص: 206 ]
قبيح بي إذا خاللت خلا     ولازم خلتي أن لا أكافي
وكل مودة لا خير فيها     إذا لم تحتمل حق المصافي
فأما في الكلام فكم وفي     ولكن في الشدائد لا يوافي
إذا أحببت لم أنقض إخائي     ولم أبن الإخاء على اعتساف
ولكن أمنح الكرماء ودا     ولا أدعو اللئام إلى العطاف
متى تقطع صديقك بعد وصل     ولا تثبت، فعهدك غير واف
إذا ما المرء أدبر لم تطقه     وصار المستقيم إلى خلاف



سمعت محمد بن المنذر يقول: سمعت محمد بن عبد الرحمن يقول: سمعت أبا عمار الحسين بن حريث يقول: قيل لرجل: ألك عيوب؟ قال: لا، قيل له: فلك من يلتمسها؟ قال: نعم، قال: فما أكثر عيوبك!

قال أبو حاتم - رضي الله عنه - : السبب المؤدي إلى الهجران بين المسلمين ثلاثة أشياء: إما وجود الزلة من أخيه - ولا محالة يزل - فلا يغضي عنها، ولا يطلب لها ضدها، وإبلاغ واش يقدح فيه، ومشي عاذل بثلب له فيقبله، ولا يطلب لتكذيبه سببا، ولا لأخيه عذرا، وورود ملل يدخل على أحدهما، فإن الملالة تورث القطع، ولا يكون لملول صديق.

التالي السابق


الخدمات العلمية