الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
أنبأنا الحسين بن محمد بن مصعب السنجي ، حدثنا أبو داود السنجي ، حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر، عن الحسن، قال: لا دين إلا بمروءة.

قال أبو حاتم - رضي الله عنه - : اختلف الناس في كيفية المروءة:

[ ص: 231 ] فمن قائل قال: المروءة ثلاثة: إكرام الرجل إخوان أبيه، وإصلاحه ماله، وقعوده على باب داره.

ومن قائل قال: المروءة: إتيان الحق، وتعاهد الضعيف.

ومن قائل قال: المروءة: تقوى الله، وإصلاح الضيعة، والغداء والعشاء في الأفنية.

ومن قائل قال: المروءة: إنصاف الرجل من هو دونه، والسمو إلى من هو فوقه، والجزاء بما أتي إليه.

ومن قائل قال: مروءة الرجل: صدق لسانه، واحتماله عثرات جيرانه، وبذله المعروف لأهل زمانه، وكفه الأذى عن أباعده وجيرانه.

ومن قائل قال: إن المروءة: التباعد من الخلق الدني فقط.

ومن قائل قال: المروءة: أن يعتزل الرجل الريبة؛ فإنه إذا كان مريبا كان ذليلا، وأن يصلح ماله؛ فإن من أفسد ماله لم يكن له المروءة، والإبقاء على نفسه في مطعمه ومشربه.

ومن قائل قال: المروءة حسن العشرة، وحفظ الفرج واللسان، وترك المرء ما يعاب منه.

ومن قائل قال: المروءة سخاوة النفس، وحسن الخلق.

ومن قائل قال: المروءة: العفة والحرفة، أي يعف عما حرم الله، ويحترف فيما أحل الله.

ومن قائل قال: المروءة: كثرة المال والولد.

ومن قائل قال: المروءة: إذا أعطيت شكرت، وإذا ابتليت صبرت، وإذا قدرت غفرت، وإذا وعدت أنجزت.

ومن قائل قال: المروءة: حسن الحيلة في المطالبة، ورقة الظرف في المكاتبة.

ومن قائل قال: المروءة: اللطافة في الأمور، وجودة الفطنة.

[ ص: 232 ] ومن قائل قال: المروءة: مجانبة الريبة؛ فإنه لا ينبل مريب، وإصلاح المال؛ فإنه لا ينبل فقير، وقيامه بحوائج أهل بيته؛ فإنه لا ينبل من احتاج أهل بيته إلى غيره.

ومن قائل قال: المروءة: النظافة، وطيب الرائحة.

ومن قائل قال: المروءة: الفصاحة والسماحة.

ومن قائل قال: المروءة: طلب السلامة، واستعطاف الناس.

ومن قائل قال: المروءة: مراعاة العهود، والوفاء بالعقود.

ومن قائل قال: المروءة: التذلل للأحباب بالتملق، ومداراة الأعداء بالترفق.

ومن قائل قال: المروءة: ملاحة الحركة، ورقة الطبع.

ومن قائل قال: المروءة: هي المفاكهة والمباسمة.

حدثنا الحسن بن سفيان ، حدثنا سويد بن سعيد ، حدثنا مسلم بن عبيد أبو فراس، قال: قال ربيعة: المروءة مروءتان: فللسفر مروءة، وللحضر مروءة.

فأما مروءة السفر: فبذل الزاد، وقلة الخلاف على الأصحاب، وكثرة المزاح في غير مساخط الله.

وأما مروءة الحضر: فالإدمان إلى المساجد، وكثرة الإخوان في الله، وقراءة القرآن.

قال أبو حاتم - رضي الله عنه - : اختلفت ألفاظهم في كيفية المروءة، ومعاني ما قالوا قريبة بعضها من بعض.

والمروءة عندي خصلتان: اجتناب ما يكره الله والمسلمون من الفعال، واستعمال ما يحب الله والمسلمون من الخصال.

وهاتان الخصلتان يأتيان على ما ذكرنا قبل من اختلافهم، واستعمالهما هو العقل نفسه، كما قال المصطفى - صلى الله عليه وسلم - : "إن مروءة المرء عقله".

ومن أحسن ما يستعين به المرء على إقامة مروءته المال الصالح.

[ ص: 233 ] ولقد أنشدني منصور بن محمد الكريزي:


احتل لنفسك أيها المحتال فمن المروءة أن يرى لك مال     كم ناطق وسط الرجال، وإنما
عنهم هناك تكلم الأموال



قال أبو حاتم - رضي الله عنه - : الواجب على العاقل أن يقيم مروءته بما قدر عليه، ولا سبيل إلى إقامة مروءته إلا باليسار من المال، فمن رزق ذلك وضن بإنفاقه في إقامة مروءته فهو الذي خسر الدنيا والآخرة، ولا آمن أن تفجأه المنية، فتسلبه عما ملك كريها، وتودعه قبرا وحيدا، ثم يرث المال بعد من يأكله ولا يحمده، وينفقه ولا يشكره، فأي ندامة تشبه هذه، وأي حسرة تزيد عليها.

ولقد أنشدني محمد بن عبد الله البغدادي:


يا جامع المال في الدنيا لوارثه     هل أنت بالمال قبل الموت منتفع
قدم لنفسك قبل الموت في مهل     فإن حظك بعد الموت منقطع



التالي السابق


الخدمات العلمية