الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال : وإذا غصب رجل لرجل أصلا فأثمر أو غنما فتوالدت ، وأصاب من صوفها ، وألبانها كان لرب الأصل والغنم وكل ماشية أن يأخذ ماشيته ، وأصله من الغاصب إن كان بحاله حين غصبه أو خيرا ، وإن نقص أخذه والنقصان ورجع عليه بجميع ما أتلف من الثمرة فأخذ منه مثلها إن كان لها مثل أو القيمة إن لم يكن لها مثل ، وقيمة ما أتلف من نتاج الماشية ومثل ما أخذ من لبنها أو قيمته إن لم يكن له مثل ، ومثل ما أخذ من صوفها وشعرها إن كان له مثل وإلا قيمته إن لم يكن له مثل . قال : وإن كان أعلفها أو هنأها وهي جرب أو استأجر عليها من حفظها أو سقى الأصل فلا شيء له في ذلك .

( قال الشافعي ) : وأصل ما يحدث الغاصب فيما اغتصب شيئان . أحدهما : عين موجودة تميز وعين موجودة لا تميز . والثاني : أثر لا عين موجودة . فأما الأثر : الذي ليس بعين موجودة فمثل ما وصفنا من الماشية يغصبها صغارا والرقيق يغصبهم صغارا بهم مرض فيداويهم وتعظم نفقته عليهم حتى يأتي صاحبهم وقد أنفق عليهم أضعاف أثمانهم ، وإنما ماله في أثر عليهم لا عين .

ألا ترى أن النفقة في الدواب والأعبد إنما هو شيء صلح به الجسد لا شيء قائم بعينه مع الجسد ، وإنما هو أثر ؟ وكذلك الثوب يغسله ويكمده وكذلك الطين يغصبه فيبله بالماء ثم يضربه لبنا فإنما هذا كله أثر ليس بعين من ماله وجد فلا شيء له فيه ; لأنه ليس بعين تتميز فيعطاه ، ولا عين تزيد في قيمته ، ولا هو موجود كالصبغ في الثوب فيكون شريكا له والعين الموجودة التي لا تتميز أن يغصب الرجل الثوب الذي قيمته عشرة دراهم فيصبغه بزعفران فيزيد في قيمته خمسة فيقال للغاصب : إن شئت أن تستخرج الزعفران على أنك ضامن لما نقص من الثوب وإن شئت فأنت شريك في الثوب لك ثلثه ولصاحب الثوب ثلثاه ، ولا يكون له غير ذلك وهكذا كل صبغ كان قائما فزاد فيه ، وإن صبغه بصبغ يزيد ثم استحق الصبغ فإنما يقوم الثوب فإن كان الصبغ زائدا في قيمته شيئا قل أو كثر فهكذا وإن كان غير زائد في قيمته قيل له ليس لك ههنا مال زاد في مال الرجل فتكون شريكا له به فإن شئت فاستخرج الصبغ على أنك ضامن لما نقص الثوب وإن شئت فدعه .

قال : وإن كان الصبغ مما ينقص الثوب قيل له أنت أضررت بصاحب الثوب ، وأدخلت عليه النقص فإن شئت فاستخرج صبغك وتضمن ما نقص الثوب وإن شئت فلا شيء لك في صبغك وتضمن ما نقص الثوب بكل حال قال ومن الشيء الذي يخلطه الغاصب بما اغتصب فلا يتميز منه أن يغصبه مكيال زيت فيصبه في زيت مثله أو خير منه فيقال للغاصب إن شئت أعطيته مكيال زيت مثل زيته وإن شئت أخذ من هذا الزيت مكيالا ثم كان غير مزداد إذا كان زيتك مثل زيته ، وكنت تاركا للفضل إذا كان زيتك أكثر من زيته ، ولا خيار للمغصوب ; لأنه غير منتقص فإن كان صب ذلك المكيال في زيت شر من زيته ضمن الغاصب له مثل زيته ; لأنه قد انتقص زيته بتصييره فيما هو شر منه ، وإن كان صب زيته في بان أو شيرق أو دهن طيب أو سمن أو عسل ضمن في هذا كله ; لأنه لا يتخلص منه الزيت ، ولا يكون له أن يدفع إليه مكيالا مثله ، وإن كان المكيال منه خيرا من الزيت من قبل أنه غير الزيت ، ولو كان صبه في ماء إن خلصه منه حتى يكون زيتا لا ماء فيه وتكون مخالطة الماء غير ناقصة له كان لازما للمغصوب أن يقبله وإن كانت مخالطة الماء ناقصة له في العاجل والمتعقب كان عليه أن يعطيه مكيالا مثله مكانه .

( قال الربيع ) : ويعطيه هذا الزيت بعينه وإن نقصه الماء ويرجع عليه بنقصه وهو معنى قول الشافعي .

التالي السابق


الخدمات العلمية