الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال المزني رحمه الله : " ولو اشترى شقصا وهو شفيع فجاء شفيع آخر فقال له المشتري : خذها كلها بالثمن ، أو دع وقال هو : بل آخذ نصفها كان ذلك له ؛ لأنه مثله وليس له أن يلزم شفعته لغيره " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال ، إذا كان للشقص شفيعان فاشتراه أحدهما ، وحضر الآخر مطالبا بالشفعة ، فله أخذ نصف الشقص من شريكه المشتري في شفعته ، وقال أبو حنيفة : شفعة المشتري باطلة فيما اشتراه ، ولا تثبت له شفعته على نفسه ولشريكه أخذ جميع الشقص من يده وليس له تبعيض الصفقة عليه بأخذ النصف منه .

                                                                                                                                            وحكاه أبو حامد الإسفراييني عن أبي العباس بن سريج ووجدت أبا العباس بن سريج قائلا بخلافه وموافقا لأصحابه .

                                                                                                                                            ودليل أبي حنيفة أن عقد البيع يتم ببائع ومشتر ، فلما لم تجب للبائع شفعة فيما باع ، لم يجب للمشتري شفعة فيما اشترى ، وتحريره قياسا : أن أحد المتبايعين قد أسقط شفعته فيما ملك عقده بالبيع قال : والإنسان لا يثبت له على نفسه حق ألا ترى أن جناية السيد على عبده هدر ؛ لأنها مأخوذة منه ، فلم يجز أن تثبت للمشتري شفعة على نفسه ، وتثبت الشفعة عليه لغيره .

                                                                                                                                            ودليلنا رواية أبي الزبير عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الشفعة في كل شرك ربعة أو غيره ، لا يبيعه حتى يعرض على شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك فإن باع فشريكه أحق به حتى يؤذنه .

                                                                                                                                            [ ص: 299 ] فجعل أخذ الشريك بالشراء صحيحا ، ولو أبطل شفعته بالشراء لكان غرورا ، ويخرج الأمر عن أن يكون مقيدا ، ولأنه لما جاز للشريك أن يملك المبيع بالخلطة دون الشراء ، فأولى أن يملكه بالخلطة والشراء ؛ لأنهما أقوى سببا وأثبت تمليكا ، ولأن الشريك قد يملك بالشراء تارة ، وبالشفعة أخرى ، فلما كان لو ملك كل الشقص بالشفعة لم يكن لشريكه فيها إبطال حقه منها وجب إذا ملك بالشراء أن لا يستحق الشريك إبطال حقه منها .

                                                                                                                                            وتحريره قياسا : أن كل من ملك بالشفعة ، لم يملك عليه الشفعة كما لو ملك بالشفعة ، فأما الجواب عن قياسه على البائع فهو أن البائع تارك ، والتارك لا شفعة له ، والمشتري طالب ، والطالب له الشفعة .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن قوله : إن الإنسان لا يثبت له حق على نفسه فهو أنه لم يملك بالشراء الشفعة على نفسه وإنما أسقط بالشراء الشفعة عن نفسه ، كما أنه لو ملك الولاء الذي عليه أسقط الولاء عن نفسه ، ولم يملك به ولاية نفسه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية