الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وإذا تكاراها ، والماء قائم عليها ، وقد ينحسر لا محالة في وقت يمكن فيه الزرع ، فالكراء جائز ، وإن كان قد ينحسر ولا ينحسر كرهت الكراء إلا بعد انحساره " .

                                                                                                                                            [ ص: 461 ] قال الماوردي : وصورتها في أرض دخلها الماء حتى علا عليها ، وأقام فيها فاستؤجرت للزرع فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون الماء كثيرا يمنع من مشاهدتها لكدره وكثرته ، ولم تتقدم رؤية المستأجر لها قبل علوه ، فالإجارة باطلة للجهل بحال ما تناوله العقد .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون الماء صافيا لا يمنع من مشاهدتها ، أو يكون قد تقدم رؤية المستأجر لها قبل علو الماء عليها ، وإن كان مانعا من مشاهدتها فهما في الحكم سواء ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يستأجرها لما يمكن زرعه مع بقاء الماء عليها كالأرز فالإجارة جائزة .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن لا يمكن زرعه مع بقاء الماء عليه كالحنطة ، فهذا على ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يعلم بجاري العادة أن الماء لا ينحسر عنها قبل وقت الزراعة فالإجارة باطلة : لأن استيفاء ما استؤجرت له متعذر .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يشك في انحسار الماء عنها قبل وقت الزراعة فالإجارة باطلة ؛ إسقاطا للشك واعتبارا باليقين في بقاء الماء ، والله أعلم .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يعلم أن الماء ينحسر عنها يقينا قبل وقت الزراعة ، فإن كان ذلك : لأن لها مغيضا يمكن إذا فتح الماء أن يغيض فيه ، فالإجارة جائزة للقدرة على إرسال مائها ، والمكنة من زراعتها ، وإن كان ذلك للعادة الجارية فيها فإنها تشرب ماءها ، وتنشفه الأرض والرياح عرفا قائما فيها ، وعادة جارية لا يختلف فيها ، ففي صحة إجارتها وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول أبي إسحاق المروزي ، والظاهر من مذهب الشافعي - رضي الله عنه - أن الإجارة جائزة لما استقر من العرف فيها .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : حكاه أبو علي بن أبي هريرة عن بعض المتقدمين أن الإجارة باطلة : لأن زرعها في الحال غير ممكن ، وارتقاء الماء عليها يقين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية