الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما حمى الإمام بعده ، فإن أراد الحمى لنفسه ، أو لأهله ، أو للأغنياء خصوصا لم يجز وكان ما حماه مباحا لمن أحياه ، وإن أراد أن يحمي لخيل المجاهدين ونعم الجزية والصدقة ومواشي الفقراء نظر ، فإن كان الحمى يضر بكافة المسلمين وأغنيائهم لضيق الكلأ عليهم بحمى أكثر مواتهم لم يجز ، وإن كان لا يضر بهم : لأنه قليل من كثير يكتفي المسلمون بما بقي من مواتهم ، ففيه قولان .

                                                                                                                                            أحدهما : لا يجوز أن يحمي ، لرواية مجاهد ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : المسلمون شركاء في ثلاث : الماء ، والنار ، والكلأ وثمنه حرام .

                                                                                                                                            روى عبيد الله بن عبد الله بن عباس ، عن الصعب بن جثامة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمى البقيع وقال : لا حمى إلا لله ولرسوله .

                                                                                                                                            والقول الثاني : يجوز له أن يحمي ، لما فيه من صلاح المسلمين ، ولما روي أن أبا بكر - رضي الله عنه - حمى بالربذة لإبل الصدقة واستعمل عليه مولاه أبو أسامة وتولاه عليه قرط بن مالك ، وحمى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الشرف فحمى منه نحو ما حمى أبو بكر - رضي الله عنه - بالربذة وولى عليه مولى له يقال له : هني وقال : يا هني ، ضم جناحك عن الناس واتق دعوة المظلوم فإن دعوة المظلوم مجابة ، وأدخل رب الصريمة ورب الغنيمة ، وإياك ونعم ابن عفان ونعم ابن عوف ، فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى نخل وزرع ، وإن رب [ ص: 484 ] الصريمة والغنيمة يأتيني بعياله فيقول : يا أمير المؤمنين ، يا أمير المؤمنين ، أتاركهم أنا ؟ لا أبا لك ، فالكلأ أهون علي من الدينار والدرهم ، وايم الله نودي أني قد طلحتهم إنما أكلأهم ، والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبرا .

                                                                                                                                            فأما قوله : المسلمون شركاء في ثلاث فهو عام خص منه الحمى على أن الحمى يشرك فيه المسلمون : لأن نفع الحمى يعود على كافتهم من الفقراء والأغنياء ، أما الفقراء فلأنه مرعى صدقاتهم ، وأما الأغنياء فلخيل المجاهدين عنهم ، وأما قوله : لا حمى إلا لله . فمعناه لا حمى إلا أن يقصد به وجه الله كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيسلم فيما حماه للفقراء المسلمين وفي مصالحهم ، وخالف فيه فعل الجاهلية ، فإن العربي في الجاهلية كان إذا استولى على بلد أوفى بكلب فجعله على جبل ، أو على شيء من الأرض واستعواه ، فحيث انتهى عواه حماه لنفسه فلا يرعى فيه غيره ويشارك الناس فيما سواه ، وهكذا كان كليب بن وائل إذا أعجبته روضة ألقى فيها كلبا وحمى إلى منتهى عوائه ، وفيه يقول معبد بن شعبة الضبي :


                                                                                                                                            كفعل كليب كنت أنبئت أنه مخطط أكلأ المياه ويمنع

                                                                                                                                            وقال العباس بن مرداس :


                                                                                                                                            كما بغيها كليب لظلمة     من العز حتى ضاع وهو قتلها
                                                                                                                                            على وائل أن يترك الكلب هائجا     وإذ يمنع الإكلأ منها حولها

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية