الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : في المياه وجملته أن الكلام فيها من فصلين :

                                                                                                                                            أحدهما : في ملكها .

                                                                                                                                            والآخر : في السقي منها .

                                                                                                                                            فأما الكلام في ملكها فهي على ثلاثة أضرب : مباح ، ومملوك ، ومختلف فيه .

                                                                                                                                            فأما المباح كماء البحر ، والنهر الكبير كدجلة ، والفرات ، والنيل ، ومثل العيون النابعة في موات السهل والجبل ، فكل هذا مباح ، ولكل أحد أن يستعمل منه ما أراد كيف شاء .

                                                                                                                                            والأصل فيه ما روى ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الناس شركاء في ثلاث : الماء ، والنار ، والكلأ ولأنه حادث في أرض موات فوجب أن يكون مباحا كالحشيش ، وإن زاد هذا الماء ودخل أملاك الناس واجتمع فيها لم يملكوه : لأنه لو نزل مطر واجتمع في ملكه فمكث ، أو فرخ طائر في بستانه ، أو توحل ظبي في أرضه لم يملكه ، وكان بمن حازه ، فكذلك الماء ، وأما المملوك فكل ما حازه من الماء المباح من قربة ، أو جرة ، أو ساقه إلى بركة فجمعه فيها [ ص: 509 ] فهذا مملوك له كسائر المائعات المملوكة ، ومتى غصب غاصب شيئا من ذلك وجب رده على صاحبه .

                                                                                                                                            وأما المختلف في كونه مملوكا ، فهو كل ما نبع في ملكه من بئر ، أو عين ، وقد اختلف أصحابنا فيه على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه مملوك ، وقد نص عليه في القديم .

                                                                                                                                            والثاني : أنه ليس بمملوك ، فإذا قلنا : إنه غير مملوك ، فإنه لا يجوز أن يبيعه ، ولا شيئا منه كيلا ، ولا وزنا ، ولا يجوز أن يبيع جميعه : لأنه لا يقدر على تسليمه فإنه يختلط به غيره ، وإذا باع دارا فيها بئر ما لم يدخل الماء في البيع : لأنه مودع فيها غير متصل بها فهو بمنزلة الطعام في الماء في الدار ، هكذا قال بعض أصحابنا ، ويحتمل أن يقال : يدخل في الدار تبعا ، ومن قال : لا يدخل في البيع تبعا ، قال : إذا شرط صح البيع ، فإن قيل : قد قلتم لا يجوز بيع جميع ما في البئر من الماء وأجزتم هاهنا فما الفرق بينهما ؟ .

                                                                                                                                            فالجواب أنه إذا باع البئر مع مائها فما يحدث من الماء يكون ملكا للمشتري ، ولا يتعذر تسليم المبيع إليه ، وليس كذلك إذا باع الماء وحده : لأنه لا يمكن تسليم المبيع : لأنه إلى أن يسلم قد بيع فيه ماء آخر فاختلط به .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية