الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وأصل المعادن صنفان : ما كان ظاهرا كالملح في الجبال تنتابه الناس ، فهذا لا يصلح لأحد أن يقطعه بحال ، والناس فيه شرع ، وهكذا النهر ، والماء الطاهر ، والنبات فيما لا يملك لأحد ، وقد سأل الأبيض بن حمال النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقطعه ملح مأرب فأقطعه إياه ، أو أراده فقيل له : إنه كالماء العد فقال : " فلا إذن " قال : ومثل هذا كل عين ظاهرة كنفط ، أو قير ، أو كبريت ، أو موميا ، أو حجارة ظاهرة في غير ملك أحد فهو كالماء ، والكلأ ، والناس فيه سواء " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح ، والمعادن ضربان ظاهرة وباطنة ، فأما الباطنة فيأتي حكمها فيما بعد ، وأما الظاهرة فهو كل ما كان ظاهرا في معدنه يؤخذ عفوا على أكمل أحواله كالملح ، والنفط ، والقار ، والكبريت ، والموهبا ، والحجارة فهذه المعادن الظاهرة كلها لا يجوز للإمام أن يقطعها ، ولا لأحد من المسلمين أن يحجر عليها ، والناس كلهم فيها شرع يتساوون فيها لا فرق بين صغيرهم وكبيرهم ، ذكرهم وأنثاهم ، مسلمهم وكافرهم ، روى ثابت بن سعد ، عن أبيه ، عن جده أن أبيض بن حمال استقطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ملح مأرب فأقطعه ثم إن [ ص: 492 ] الأقرع بن حابس التميمي قال : يا رسول الله ، إني قد وردت الملح في الجاهلية ، وهو بأرض ليس فيها ملح ، ومن ورده أخذه ، وهو مثل الماء العد بأرض ، فاستقال الأبيض من قطيعته الملح ، فقال الأبيض : قد أقلتك منه على أن تجعله مني صدقة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هو منك صدقة ، وهو مثل الماء العد من ورده أخذه وروت نهيسة ، عن أبيها أنه قال : يا نبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه ؟ قال : الماء ، قال : يا نبي الله ، ما الشيء الذي لا يحل منعه ؟ قال : الملح قال : يا نبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال : أن تفعل الخير خيرا لك ، وأنه ليس المانع بأحق من الممنوع ، فاقتضى أن يكونا فيه سواء ، وإذا استوى الناس في المعادن الظاهرة ، فإن أمكن اشتراك الناس فيه عند الإجماع عليه ، وإلا لقدم الأسبق فالأسبق فإن تساوى مجيئهم ، فعلى وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : يقرع بينهم فمن قرع منهم تقدم .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يقدم السلطان باجتهاده من رأى ، فلو أقام رجل على المعدن زمانا يتفرد به وبما فيه نظر ، فإن كان مع تفرده به يمنع منه فمنه تعدى ، وعلى السلطان أن يرفع يده عنه ، وقد ملك ما أخذه منه ، وإذا لم يمنع غيره منه ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يقر ما لم يكن في إقراره إدخال ضرر على غيره

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يمنع ليلا بطول مكثه ويدوم تصرفه فينتقل عن حكم المباح إلى أحكام الأملاك ، وهذان الوجهان في هذين الفرعين من اختلاف أصحابنا : هل للسلطان استحقاق نظر فيها أم لا ؟ فلهم فيها وجهان .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية