الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا استحق ميراث الشفعة على ما ذكرنا لم يخل أن يكون موت الشفيع قبل البيع ، أو بعده ، فإن كان موته قبل البيع فالشفعة إنما حدثت على ملك الورثة ، ولم يكن للموروث فيها حق لتقدم موته على البيع ثم تكون بين جميع من ملك ميراث الحصة وفيها قولان :

                                                                                                                                            [ ص: 259 ] أحدهما : أنها بينهم على عدد رءوسهم ، الزوجة والابن فيها سواء على ما حكاه المزني عن الشافعي رضي الله عنه .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أنها مقسطة بينهم على قدر مواريثهم للزوجة ثمنها وللابن الباقي وعلى هذا لو عفا أحد الورثة لم يسقط حق من لم يعف ، وكان لمن بقي من الورثة ولو كان واحدا يأخذ جميع الشفعة كالشركاء إذا عفا بعضهم عاد حقه إلى من بقي وإن مات الشفيع بعد البيع فقد ملك الشفعة بالبيع وانتقلت عنه بالموت إلى ورثته ويستوي فيها الوارث بنسب وسبب وهي بينهم على قدر مواريثهم للزوجة الثمن ، والباقي للابن قولا واحدا ؛ لأنهم ليس يأخذونها بأنفسهم وإنما يرثونها عن ميتهم فكانت بينهم على قدر مواريثهم ويكون تأويل ما نقله المزني عن الشافعي - رضي الله عنه - أن امرأته وابنه في ذلك سواء يعني في استحقاقها لجميع الورثة لا يختص بها بعضهم دون بعض وكان بعض أصحابنا يغلط فيخرج ذلك على قولين ويجعل ما نقله المزني أحد القولين . فعلى هذا لو أن بعض الورثة عفا عن حقه من الشفعة فهل يرجع ذلك على باقي الورثة على قولين حكاهما المروزي :

                                                                                                                                            أحدهما : يرجع على من بقي كالشركاء إذا عفا أحدهم ، فعلى هذا لو أن أحد الورثة حضر مطالبا قضي له بجميع الشفعة .

                                                                                                                                            والقول الثاني وهو الأصح : أنه لا يرجع على من بقي ؛ لأن جميعهم شفيع واحد وليس كالشركاء الذي كل واحد منهم شفيع كامل ، فعلى هذا لو حضر أحد الورثة مطالبا لم يقض له بشيء حتى يجمعوا فإن عفا أحدهم عن حقه فهل تبطل بعفوه شفعة من بقي ؟ على الوجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة أنها قد بطلت وسقط حق من لم يعف ؛ لأنها شفعة واحدة عفي عن بعضها فصار كالشفيع إذا عفا عن بعض شفعته سقط جميعها .

                                                                                                                                            والوجه الثاني - وبه قال أبو حامد الإسفراييني - أن من لم يعف عن شفعته يأخذ منها بقدر ميراثه ، ولا يكون عفو غيره مبطلا لحقه بخلاف الواحد إذا عفا عن بعض شفعته ؛ لأن الواحد كان له أخذ جميعها فجاز أن يسقط بعفوه عن البعض جميعها وليس كذلك أحد الورثة ؛ لأنه لا يملك منها إلا قدر حقه فلم يبطل بالعفو عن غير حقه ولأن العافي عن البعض مختار للعفو فجاز أن يسري عفوه في جميع حقه ، وليس الباقي من الورثة مختارا للعفو فلم يسر عفو غيره في حقه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية