مسألة : قال  الشافعي      - رضي الله عنه - : "  فإن أقر جميع الورثة   ثبت نسبه وورث وورث واحتج بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في  ابن وليدة زمعة   وقوله  هو لك يا  عبد بن زمعة   الولد للفراش وللعاهر الحجر     .  
قال  الماوردي      : قد ذكرنا أن إقرار الوارثين بمدعي البنوة يوجب ثبوت نسبه وهكذا لو كانوا جماعة وأقروا ، أو كان واحدا وأقر ؛ لأن المراعى إقرار من يحوز الميراث .  
وقال  مالك      :  لا يثبت النسب بإقرار الورثة   وإنما يستحق به الميراث .  
وقال  أبو حنيفة      : إن كان الوارث واحدا لم يثبت بإقراره النسب ، وإن كانوا عددا أقلهم اثنان ثبت النسب بإقرارهم لا من طريق الشهادة ؛ لأنه لا تعتبر فيها العدالة .  
واستدل من منع لحوق النسب بإقرار الورثة بما روى  سعيد بن جبير   عن  ابن عباس   أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :  لا مساعاة في الإسلام  يعني السعي إلى ادعاء النسب .  
وعن  عمر      - رضي الله عنه - أنه كان لا يورث الحميل وهو الذي يحمل نسبه على غير مقر به ، والميت غير مقر وإن أقر وارثه .  
قالوا : ولأن ثبوت النسب في مقابلة نفيه فلما لم ينتف النسب بنفي الوارث ولعانه لم ينتف بتصديقه وإقراره ويتحرر منه قياسان :  
أحدهما : أنه أحد حالي النسب فلم يملكه الوارث كالنفي .  
والثاني : أن من لم يملك نفي النسب لم يملك إثباته كالأجانب .  
قالوا : ولأن الولاء لحمة كلحمة النسب فلما لم يكن للورثة إلحاق ولاء بالميت بعتقهم لم يكن لهم أن يلحقوا به نسبا بإقرارهم .  
 [ ص: 93 ] ويتحرر منه قياسان :  
أحدهما : أنه أحد اللحمتين فلم يكن للورثة إثباته كالولاء .  
والثاني : أن من لم يكن له إثبات الولاء لم يكن له إثبات النسب كالأوصياء .  
والدليل على ما قلناه من  ثبوت النسب بإقرارهم   من خمسة أوجه :  
أحدها : ما رواه  سفيان   عن  الزهري   عن  عروة   عن  عائشة     - رضي الله عنها - قالت : اختصم  سعد بن أبي وقاص   وعبد بن زمعة   إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في  ابن أمة زمعة ،   فقال  سعد      : عهد إلي أخي في  ابن وليدة زمعة   أن أقبضه فإنه ابنه ، وقال  عبد بن زمعة      : أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :  هو لك يا  عبد بن زمعة   الولد للفراش وللعاهر الحجر   فألحق النبي - صلى الله عليه وسلم - الولد  بعبد بن زمعة   باعتراف أبيه وجعله أخاه . فاعترضوا على هذا الحديث من أربعة أوجه :  
أحدها : أن قالوا : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما جعله عبدا لعبد ، ولم يجعله أخاه ، وروي أنه قال : هو لك عبد . فعن هذا جوابان :  
أحدهما : أن  مسددا   روى عن  سفيان   أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : هو أخوك يا  عبد      .  
والثاني : أن  عبد بن زمعة   قد أقر بحريته وولادته حرا على فراش أبيه فلم يجز بعد اعترافه بحريته أن يحكم له برقه .  
وما رووه من قوله : هو لك عبد فإنما أشار إليه بالقول اختصارا يحذف النداء كقوله تعالى :  يوسف أعرض عن هذا      [ يوسف : 29 ] . والاعتراض الثاني عليه :  
أن قالوا إنما ألحقه بالفراش لا بالإقرار وبين ذلك بقوله  الولد للفراش  ، والجواب عنه : أنه قد أثبت الفراش بإقراره وإقراره بالفراش إقرار بالنسب لثبوت النسب بثبوت الفراش فلم يكن فرق بين الإقرار بالفراش الموجب لثبوت النسب وبين الإقرار بالنسب الدال على ثبوت الفراش .  
والاعتراض الثالث عليه :  
أن قالوا : لا دليل لكم فيه ؛ لأن عبدا هو أحد الوارثين  وسودة زوجة النبي     - صلى الله عليه وسلم - أخته ، ولم تكن منها دعوى له ، ولا إقرار به ، ولا دعوى له . وإقرار أحد الورثة لا يوجب بالإجماع ثبوت النسب . وعنه جوابان :  
أحدهما : أن عبدا هو وارث أبيه وحده ؛ لأن   سودة  كانت قد أسلمت قبل موت أبيها وكان عبد على كفره فكان هو الوارث لأبيه الكافر دون أخته المسلمة ، ألا ترى إلى ما روي عنه أنه قال :  أسلمت أختي   سودة  فحملتها وليتني أسلمت يوم أسلمت .  
والثاني : أن   سودة  قد كانت معترفة به واستنابت أخاها في الدعوى ؛ لأن النساء من      [ ص: 94 ] عادتهن الاستنابة ، ألا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرها بالاحتجاب منه فلولا أنها كانت معترفة به كانت مقيمة على الاحتجاب الأول .  
والاعتراض الرابع عليه : أن قالوا : أمره - صلى الله عليه وسلم -   لسودة  بالاحتجاب منه دليل على أنها ليست أختا له . وعنه جوابان :  
أحدهما : لقوة الشبه الذي رأى فيه من  عتبة   أمرها بالاحتجاب إما كراهة أن يكون في نفسها نزاع من قضائه ، وإما استظهار لما تتخوفه باطنا من فساد أصابه .  
والثاني : أن للزوج منع زوجته من الظهور لأخيها وأهلها فلم يكن في المنع دليل على اختلاف النسب .  
والدليل الثاني من المسألة : ما روى  سليمان بن موسى   عن  عمرو بن شعيب   عن أبيه عن جده :  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى أن كل مستلحق استلحق بعد أبيه فقد لحق بمن استلحقه     . وهذا نص عام في موضع الخلاف .  
والدليل الثالث : أن الورثة يخلفون مورثهم في حقوقه إثباتا كالحجج ، والبينات وقبضا كالدين ، والقصاص ، والنسب حق له إثباته حيا فكان للورثة إثباته ميتا . ويتحرر منه قياسان :  
أحدهما : أن ما ملك المورث إثباته من حقوقه ملك الورثة إثباته بعد موته كالدين ، والقصاص .  
والثاني : أن من ملك إثبات الحقوق ملك إثبات الأنساب كالموروث .  
والدليل الرابع : أن  الإقرار بالنسب يتعلق به حكمان :   ثبوته وإرثه .  
فلما استحق الإرث بإقرارهم ثبت النسب بإقرارهم ويتحرر منه قياسان :  
أحدهما : أن من ثبت الميراث بإقراره ثبت النسب بإقراره كالموروث .  
والثاني : أن ما لزم من حقوق النسب بإقرار الموروث لزم بإقرار الوارث كالميراث .  
والدليل الخامس : أن إقرار الورثة بالحق أقوى ثبوتا من الشهادة بالحق فلما ثبت النسب بالشهادة فأولى أن يثبت بإقرار الورثة ، ويتحرر من اعتلاله قياسان :  
أحدهما : أن ما صح ثبوته بالشهادة فأولى أن يصح ثبوته بإقرار الورثة كسائر الحقوق .  
والثاني : أن ما صح أن يثبت بالحقوق صح أن يثبت به الأنساب كالشهادة ، والله أعلم .  
فأما الجواب عن قوله - صلى الله عليه وسلم -  ولا مساعاة في الإسلام  فوارد باستلحاق الأنساب بالزنى ؛ لأن تمام الخبر دال عليه وهو قوله لا مساعاة في الإسلام ومن ساعى في الجاهلية فقد لحقه بعصبته ومن ادعى ولدا من غير رشدة فلا يرث ، ولا يورث .  
وأما الجواب عما روي  عن  عمر      - رضي الله عنه - أنه كان لا يورث الحميل  فمن وجهين :  
أحدهما : أنه وارد فيمن حمل نسبه على غيره مع إنكار ورثته .  
 [ ص: 95 ] والثاني : أنه وارد في المسبي من دار الشرك إذا أقر بنسب ليرتفع إرث الولاء به .  
وأما الجواب عن استدلالهم بنفي النسب فهذا باطل بالابن لو أقر لحق ولو أراد نفي أب لم يجز فكذا الأخ لو أقر بأخ جاز ولو نفاه لم يجز . وأجاب  أبو علي الطبري   عن ذلك في إفصاحه أن قال : هما سواء ؛ لأن النسب لا يثبت إلا باجتماعهم ودخول المقر به في جملتهم ، فكذلك لا ينتفي إلا باجتماعهم ودخول المنفي في جملتهم فيقول إذا نفوه عن أبيهم : لست بابن أبيكم ، تصديقا لهم فينتفي . واختلف أصحابنا فيما أجاب به  أبو علي   هل يصح في الحكم أو لا ؛ فكان  أبو حامد الإسفراييني   يمنع من صحته فيقول : إن من لحق نسب من لم ينتف عنه باجتماعه مع الورثة على نفيه . وقال غيره : هو في الحكم صحيح ؛ لأنه لما ثبت النسب باتفاق الفريقين انتفى باتفاق الفريقين .  
وأما الجواب عن استدلالهم بالولاء فهو أنهما سواء ؛ لأنهم أقروا بنسب متقدم ولو استحدثوه لم يجز وبطل إلحاقهم بولاء مستحدث ولو أقروا بولاء متقدم جاز ، والله أعلم .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					