الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : والحالة الثالثة من أحوال الشفيع بعد علمه بالبيع وتمكنه من الأخذ : أن يمسك عن الطلب ففيه ثلاثة أقاويل :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قوله في الجديد ، والإملاء ، وبه تقع الفتيا أن الشفعة قد بطلت بانقضاء زمان المكنة وأن حق طلبها على الفور .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أن حق الشفعة مؤقت بثلاثة أيام بعد المكنة فإن طلبها إلى ثلاث كان على حقه ، وإن مضت الثلاث قبل طلبه بطلت .

                                                                                                                                            قال الشافعي - رضي الله عنه - في كتاب السير قال : وهذا استحسان وليس بأصل

                                                                                                                                            والقول الثالث : أن حق الشفعة ممتد على التراخي من غير تقدير بمدة وبه قال في القديم . فإذا قيل بالقول الأول : إن حق الشفعة على الفور وبه قال أبو حنيفة ، فوجهه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : الشفعة كنشطة عقال فإن أخذها فهي له ، وإن تركها رجع باللائمة على نفسه ولأن حق الشفعة موضوع لإزالة الضرر فاقتضى أن تكون على الفور كالرد بالعيب ، ولأن في استدامتها إدخال ضرر على المشتري مستديما إذ ليس يعلم بقاء ملكه فيتصرف ، ولا زوال ملكه فيطالب بالثمن ، وأن ما وضع لإزالة الضرر لم يجز أن يدخل به أعظم الضرر ، فعلى هذا القول يعتبر بالمكنة المعهودة من غير إرهاق ، ولا عجلة .

                                                                                                                                            فإذا علم مكن بعد العلم من لبس ثوبه ، وجمع ماله ، وغلق بابه ، وصلاة وقته فإذا توجه إلى المشتري مشى على مهل كعادته ، فإذا لقي المشتري جاز أن يبدأ بالسلام عليه قبل المطالبة ، وقال محمد بن الحسن : إن قدم السلام على المطالبة بطل حقه من الشفعة ، وهذا خطأ لما فيه من ترك السنة المأثورة ، وخرق العادة المستحسنة .

                                                                                                                                            ولكن لو حادثه بعد السلام وقبل المطالبة بطل حقه من الشفعة ، وعلى هذا لو طلب ثم أمسك بعد الطلب من غير صريح بالعفو ، ولا تعريض بطلت شفعته حتى يكون مستديما للطلب بحسب المكنة .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : " شفعته باقية أبدا إذا قدم الطلب ما لم يصرح بالعفو " .

                                                                                                                                            وقال محمد بن الحسن : " شفعته باقية في زمان إمساكه إلى مدة شهر فإن طلب بعده ، وإلا سقطت شفعته ، وكلا المذهبين ؛ لأن المقصود بالطلب الأخذ فإذا أمسك عنه لم يكن للطلب تأثير ، وبطل بالإمساك خياره .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية