الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال المزني رحمه الله : " ولو شجه موضحة عمدا فصالحه منها على شقص وهما يعلمان أرش الموضحة كان للشفيع أخذه بالأرش " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح ، إذا شج رجل رجلا موضحة فصالحه منها على شقص من دار فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن لا يجب فيها قود إما لأنها خطأ محض ، وإما لأنها خطأ شبه العمد ، وإما لأنها عمد ممن لا يجري عليه قود كالوالد على ولده ، والحر على عبده فالواجب في الموضحة في هذه الأحوال كلها الدية ، ولا يخلو حالهما من أن يعلما قدر الدية ، أو يجهلاه فإن جهلاه كان الصلح باطلا ؛ لأن جهالة البدل تقتضي فساد العقد ، ولا شفعة مع بطلان الصلح .

                                                                                                                                            [ ص: 301 ] وإن علماه نظر فإن قدرت ورقا ، أو ذهبا نظر .

                                                                                                                                            فإن جهلا تخفيفها في الخطأ ، أو تغليظها في شبه العمد بطل الصلح ، والشفعة ، وإن علما تخفيفها في الخطأ بالاقتصار على ديتها وهو ستمائة درهم لا يزاد عليها ، وخمسون دينارا من الذهب لا يزاد عليها ، أو علما تغليظها في شبه العمد بزيادة الثلث في الورق والذهب صح الصلح ، ووجبت الشفعة في الشقص المأخوذ بدية الموضحة من الدراهم إن قدرت بها تخفيفا ، أو تغليظا ، أو من الدنانير إن قدرت بها تخفيفا ، أو تغليظا .

                                                                                                                                            وإن كانت الدية إبلا وهي خمس من الإبل أخماس في تخفيف الخطأ ، أو أثلاث في تغليظ شبه العمد نظر : فإن جهلا قدرها ، أو علما القدر وجهلا وصفها ، أو علما القدر والصفة وجهلا جنسها ؛ لأنها مستحقة من جنس إبل الجاني وعاقلته ، فالصلح ، والشفعة باطلان .

                                                                                                                                            وإن علما القدر والصفة والجنس ، ففي صحة الصلح وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الصلح باطل ، ولا شفعة فيه ؛ لأنها غير موصوفة الألوان ، ولا مضبوطة في السمن ، والهزال فلم يجز أن يكونا بدلا في عقد .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن الصلح جائز ، والشفعة فيه واجبة لثبوتها في الذمة على صفة يستحق بها ويأخذه الشفيع بقيمتها في أقل أوصافها التي توجب قبولها فلا يقوم سمانها وخيارها ؛ لأن الجاني لا يجبر على قبولهما ، ولا يقوم مهازيلها ومعيبها ؛ لأن المجني عليه لا يجبر على قبولها .

                                                                                                                                            والضرب الثاني في الأصل : أن تكون الموضحة موجبة للقود في العمد المحض فيصالحه من القود على شقص ، فإن قيل : إن جناية العمد توجب أحد أمرين من قود ، أو عقل . فالكلام فيه على ما مضى من علمهما بقدر الدية ، أو جهلهما به ، وإن قيل إن جناية العمد توجب القود وحده صح الصلح منه على الشقص المأخوذ عنه مع العلم بقدر الدية ، والجهل به ؛ لأنه مأخوذ عن القود الصالح الذي يصح أخذ البدل عنه ثم للشفيع حينئذ أن يأخذه ببدل القود من الدية فإن اختلفا في جنس الدية عينه الحاكم باجتهاده في أخذ أجناسها مغلظة في العمد .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية