فصل :
nindex.php?page=treesubj&link=5927والأصل في إحلال القراض وإباحته عموم قول الله عز وجل
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=198ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ، [ البقرة : 198 ] ، وفي القراض ابتغاء فضل وطلب نماء .
وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923157دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض وفي القراض رزق بعضهم من بعض .
وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
أنه ضارب لخديجة بأموالها إلى الشام وأنفذت معه nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة عبدا [ ص: 306 ] لها يقال له ميسرة ، وروى
أبو الجارود عن
حبيب بن يسار عن
ابن عباس - رضي الله عنه - قال :
كان العباس إذا دفع مالا مضاربة اشترط على صاحبه أن لا يسلك به بحرا ، ولا ينزل به واديا ، ولا يشتري به ذات كبد رطبة فإن فعل ذلك فهو ضامن فرفع شرطه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأجازه .
وروى
مالك بن أنس عن
زيد بن أسلم عن أبيه أن
عبد الله وعبيد الله ابني
عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم - قدما في جيش
العراق ، وقد تسلفا من
أبي موسى الأشعري مالا اشتريا به متاعا فربحا فيه
بالمدينة ربحا كثيرا فقال لهما
عمر : أكل الجيش تسلف مثل هذا ؟ فقالا : لا ، فقال
عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كأني بكما ، وقد قال
أبو موسى : إنكما ابنا أمير المؤمنين فأسلفكما بمال المسلمين ، ردا المال ، والربح ، فقال
عبيد الله : أرأيت يا أمير المؤمنين لو تلف المال كنا نضمنه ؟ قال : نعم ، قال : فربحه لنا إذن ، فتوقف
عمر ، فقال له بعض جلسائه : لو جعلته قراضا يا أمير المؤمنين يعني في مشاطرتهما على الربح كمشاطرته في القراض ففعل .
وعلى هذا الأثر اعتمد
الشافعي لاشتهاره وانعقاد الإجماع له .
ووجه الاستدلال منه مختلف بين أصحابنا فيه على ثلاثة أوجه : أحدها أن وجه الاستدلال به قول الجليس لو جعلته قراضا وإقرار
عمر له على صحة هذا القول فكانا معا دليلين على صحة القراض ، ولو علم
عمر فساده لرد قوله فلم يكن ما فعله معهما قراضا لا صحيحا ولا فاسدا ، ولكن استطابا طهارة أنفسهما بما أخذه من ربحهما لاسترابته بالحال واتهامه
أبا موسى بالميل ؛ لأنهما ابنا أمير المؤمنين ، الأمر الذي ينفر منه الإمام العادل وتأباه طبيعة الإسلام .
والوجه الثاني : أن
عمر أجرى عليه في الربح حكم القراض الفاسد ؛ لأنهما عملا على أن يكون الربح لهما ، ولم يكن قد تقدم في المال عقد يصح حملهما عليه فأخذ منهما جميع الربح وعاوضهما على العمل بأجرة المثل ، وقدره بنصف الربح فرده عليهما أجرة ، وهذا اختيار
أبي إسحاق المروزي .
والوجه الثالث : أن
عمر - رضي الله عنه - أجرى عليهما في الربح حكم القراض الصحيح وإن لم يتقدم معهما عقد ؛ لأنه كان من الأمور العامة فاتسع حكمه عن العقود الخاصة ، فلما رأى المال لغيرهما ، والعمل منهما ، ولم يرهما متعديين فيه ، جعل ذلك عقد قراض صحيح ،
[ ص: 307 ] وهذا ذكره
أبو علي بن أبي هريرة . فعلى هذا الوجه يكون القول والفعل معا دليلا مع ما رواه
الشافعي عن
عمر - رضي الله عنه - أنه دفع مالا قراضا على النصف ، وروى
العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده أن
عثمان - رضي الله عنه - دفع إليه مالا قراضا على النصف .
ثم دليل جوازه من طريق المعنى أنه لما جاءت السنة بالمساقاة وهي عمل في محل يستوجب به شطر ثمرها اقتضى جواز القراض بالمال ليعمل فيه به ببعض ربحه ، فكانت
nindex.php?page=treesubj&link=5927السنة في المساقاة دليلا على جواز القراض ، وكان
nindex.php?page=treesubj&link=5927الإجماع على صحة القراض دليلا على جواز المساقاة ، ولأن فيهما رفقا بين عجز عن التصرف من أرباب الأموال ومعونة لمن عدم المال من ذوي الأعمال لما يعود على الفريقين من نفعهما ويشتركان فيه من ربحهما .
فَصْلٌ :
nindex.php?page=treesubj&link=5927وَالْأَصْلُ فِي إِحْلَالِ الْقِرَاضِ وَإِبَاحَتِهِ عُمُومُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=198لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ، [ الْبَقَرَةِ : 198 ] ، وَفِي الْقِرَاضِ ابْتِغَاءُ فَضْلٍ وَطَلَبِ نَمَاءٍ .
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923157دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَفِي الْقِرَاضِ رِزْقُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ .
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَنَّهُ ضَارَبَ لِخَدِيجَةَ بِأَمْوَالِهَا إِلَى الشَّامِ وَأَنْفَذَتْ مَعَهُ nindex.php?page=showalam&ids=10640خَدِيجَةُ عَبْدًا [ ص: 306 ] لَهَا يُقَالُ لَهُ مَيْسَرَةُ ، وَرَوَى
أَبُو الْجَارُودِ عَنْ
حَبِيبِ بْنِ يَسَارٍ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ :
كَانَ الْعَبَّاسُ إِذَا دَفَعَ مَالًا مُضَارَبَةً اشْتَرَطَ عَلَى صَاحِبِهِ أَنْ لَا يَسْلُكَ بِهِ بَحْرًا ، وَلَا يَنْزِلَ بِهِ وَادِيًا ، وَلَا يَشْتَرِيَ بِهِ ذَاتَ كَبِدٍ رَطْبَةٍ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ ضَامِنٌ فَرَفَعَ شَرْطَهُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَجَازَهُ .
وَرَوَى
مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ
زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ
عَبْدَ اللَّهِ وَعُبَيْدَ اللَّهِ ابْنَيْ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَدِمَا فِي جَيْشِ
الْعِرَاقِ ، وَقَدْ تَسَلَّفَا مِنْ
أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ مَالًا اشْتَرَيَا بِهِ مَتَاعًا فَرَبِحَا فِيهِ
بِالْمَدِينَةِ رِبْحًا كَثِيرًا فَقَالَ لَهُمَا
عُمَرُ : أَكُلُّ الْجَيْشِ تَسَلَّفَ مِثْلَ هَذَا ؟ فَقَالَا : لَا ، فَقَالَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَأَنِّي بِكُمَا ، وَقَدْ قَالَ
أَبُو مُوسَى : إِنَّكُمَا ابْنَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأَسْلَفَكُمَا بِمَالِ الْمُسْلِمِينَ ، رُدَّا الْمَالَ ، وَالرِّبْحَ ، فَقَالَ
عُبَيْدُ اللَّهِ : أَرَأَيْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ تَلِفَ الْمَالُ كُنَّا نُضَّمَنُهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَرِبْحُهُ لَنَا إِذَنْ ، فَتَوَقَّفَ
عُمَرُ ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ جُلَسَائِهِ : لَوْ جَعَلْتَهُ قِرَاضًا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنِي فِي مُشَاطَرَتِهِمَا عَلَى الرِّبْحِ كَمُشَاطَرَتِهِ فِي الْقِرَاضِ فَفَعَلَ .
وَعَلَى هَذَا الْأَثَرِ اعْتَمَدَ
الشَّافِعِيُّ لِاشْتِهَارِهِ وَانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ لَهُ .
وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مِنْهُ مُخْتَلَفٌ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا أَنَّ وَجْهَ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ قَوْلُ الْجَلِيسِ لَوْ جَعَلْتَهُ قِرَاضًا وَإِقْرَارُ
عُمَرَ لَهُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ فَكَانَا مَعًا دَلِيلَيْنِ عَلَى صِحَّةِ الْقِرَاضِ ، وَلَوْ عَلِمَ
عُمَرُ فَسَادَهُ لَرَدَّ قَوْلَهُ فَلَمْ يَكُنْ مَا فَعَلَهُ مَعَهُمَا قِرَاضًا لَا صَحِيحًا وَلَا فَاسِدًا ، وَلَكِنِ اسْتَطَابَا طَهَارَةَ أَنْفُسِهِمَا بِمَا أَخَذَهُ مِنْ رِبْحِهِمَا لِاسْتِرَابَتِهِ بِالْحَالِ وَاتِّهَامِهِ
أَبَا مُوسَى بِالْمَيْلِ ؛ لِأَنَّهُمَا ابْنَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، الْأَمْرُ الَّذِي يَنْفِرُ مِنْهُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَتَأْبَاهُ طَبِيعَةُ الْإِسْلَامِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ
عُمَرَ أَجْرَى عَلَيْهِ فِي الرِّبْحِ حُكْمَ الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ ؛ لِأَنَّهُمَا عَمِلَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ لَهُمَا ، وَلَمْ يَكُنْ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمَالِ عَقْدٌ يَصِحُّ حَمْلُهُمَا عَلَيْهِ فَأَخَذَ مِنْهُمَا جَمِيعَ الرِّبْحِ وَعَاوَضَهُمَا عَلَى الْعَمَلِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ ، وَقَدَّرَهُ بِنِصْفِ الرِّبْحِ فَرَدَّهُ عَلَيْهِمَا أُجْرَةً ، وَهَذَا اخْتِيَارُ
أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ .
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ : أَنَّ
عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَجْرَى عَلَيْهِمَا فِي الرِّبْحِ حُكْمَ الْقِرَاضِ الصَّحِيحِ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ مَعَهُمَا عَقْدٌ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِنَ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ فَاتَّسَعَ حُكْمُهُ عَنِ الْعُقُودِ الْخَاصَّةِ ، فَلَمَّا رَأَى الْمَالَ لِغَيْرِهِمَا ، وَالْعَمَلَ مِنْهُمَا ، وَلَمْ يَرَهُمَا مُتَعَدِّيَيْنِ فِيهِ ، جَعَلَ ذَلِكَ عَقْدَ قِرَاضٍ صَحِيحٍ ،
[ ص: 307 ] وَهَذَا ذَكَرَهُ
أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ . فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ مَعًا دَلِيلًا مَعَ مَا رَوَاهُ
الشَّافِعِيُّ عَنْ
عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ دَفَعَ مَالًا قِرَاضًا عَلَى النِّصْفِ ، وَرَوَى
الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ
عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دَفَعَ إِلَيْهِ مَالًا قِرَاضًا عَلَى النِّصْفِ .
ثُمَّ دَلِيلُ جَوَازِهِ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَمَّا جَاءَتِ السُّنَّةُ بِالْمُسَاقَاةِ وَهِيَ عَمَلٌ فِي مَحَلٍّ يَسْتَوْجِبُ بِهِ شَطْرَ ثَمَرِهَا اقْتَضَى جَوَازَ الْقِرَاضِ بِالْمَالِ لِيَعْمَلَ فِيهِ بِهِ بِبَعْضِ رِبْحِهِ ، فَكَانَتِ
nindex.php?page=treesubj&link=5927السُّنَّةُ فِي الْمُسَاقَاةِ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ الْقِرَاضِ ، وَكَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=5927الْإِجْمَاعُ عَلَى صِحَّةِ الْقِرَاضِ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ الْمُسَاقَاةِ ، وَلِأَنَّ فِيهِمَا رِفْقًا بَيْنَ عَجْزٍ عَنِ التَّصَرُّفِ مِنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ وَمَعُونَةٍ لِمَنْ عُدِمَ الْمَالَ مِنْ ذَوِي الْأَعْمَالِ لِمَا يَعُودُ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ مِنْ رِبْحِهِمَا .