فصل : أما  الضمان   فلا يتعلق عليه فيما حدث قبل مجاوزته وتعديه ، فأما بعد المجاوزة والتعدي فقد صار مأخوذا به ، ولا يخلو  حال الدابة   من ثلاثة أحوال :  
أحدها : أن تتلف .  
والثاني : أن تنقص .  
والثالث : أن تكون على حالها ، فإن تلفت لم يخل من أن يكون صاحبها معها أم لا فإن لم يكن معها ضمن جميع قيمتها باليد : لأنه متعد بها كالغاصب .  
وإن كان صاحبها معها فلا يخلو أن يكون تلفها في حال الركوب ، أو بعد النزول ، فإن كان في حال الركوب ضمن ضمان جناية لا ضمان غصب : لأن يد المالك لم تزل وإذا كان كذلك لم تلزمه جميع القيمة : لأنه ليس جميع الركوب محظورا فلزمه بعضها .  
 [ ص: 405 ] وفي قدر ما يلزمه قولان :  
أحدهما : نصف القيمة : لأن تلفها كان بالإعياء في مسافتين مباحة غير مضمونة ومحظورة مضمونة .  
والقول الثاني : أن القيمة تقسط على قدر المسافتين في الطول والقصر ، فيسقط عنه من القيمة قدر ما قابل مسافة الإجارة ويلزمه منها ما قابل مسافة العدوان ، فإذا كان من  مر   إلى  مكة   ثمانية عشر ميلا ومن  مر   إلى  عسفان   ثلاثين ميلا ، لزمه من قيمة الدابة ثلاثون جزءا من ثمانية وأربعين جزءا وذلك خمسة أثمانها ، وأصل هذين القولين  الجلاد إذا أمر أن يجلد رجلا ثمانين سوطا فجلد أحدا وثمانين سوطا فمات   كان في قدر ما يضمنه قولان ؟  
أحدهما : نصف الدية .  
والثاني : جزء من أحد وثمانين جزءا من الدية .  
فإن قيل : فإذا كان صاحبها مشاهدا للركوب غير منكر له كان ذلك برضى منه ، فوجب سقوط الضمان . قيل : الرضا الذي يوجب سقوط الضمان ما كان إذنا بالقول ، وليس السكوت إذنا في استهلاك الأموال ، ألا ترى لو أن  رجلا خرق ثوبا على رجل وهو يراه   لزمه ضمانه ، ولم يسقط بسكوته وإن كان  تلف الدابة بعد نزول الراكب عنها وحصولها في يد صاحبها   فلا ضمان على الراكب : لأنه قد برئ من الضمان بردها على المالك إلا أن يكون ركوب التعدي قد نقص من قيمتها فيضمن قدر نقصها . وإن لم تتلف الدابة ولكن نقصت قيمتها نظر ؛ فإن كان نقص قيمتها بغير الركوب لم يضمنه الراكب ، وإن كان بالركوب فما قابل المباح منه لم يضمنه ، وما قابل المحظور ضمنه وسواء كان صاحبها معها أم لا : لأنه ضمان جناية وإن كانت الدابة على حالها لم يضمن الراكب غير الأجرة ، والله أعلم .  
				
						
						
