الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ولو تكاراها سنة فزرعها فانقضت السنة ، والزرع فيها لم يبلغ أن يحصد ؛ فإن كانت السنة يمكنه أن يزرع فيها زرعا يحصد قبلها ، فالكراء جائز وليس لرب الزرع أن يثبت زرعه ، وعليه أن ينقله عن الأرض إلا أن يشاء رب الأرض تركه ( قال الشافعي ) : وإذا شرط أن يزرعها صنفا من الزرع يستحصد ، أو يستقصل قبل السنة فأخره إلى وقت من السنة وانقضت السنة قبل بلوغه فكذلك أيضا ، وإن تكاراها لمدة أقل من سنة وشرط أن يزرعها شيئا بعينه ويتركه حتى يستحصد ، وكان يعلم أنه لا يمكنه أن يستحصد في مثل المدة التي تكاراها ، فالكراء فيه فاسد من قبل أني إن أثبت بينهما شرطهما ، ولم أثبت على رب الأرض أن يبقي زرعه فيها بعد انقضاء المدة أبطلت شرط الزارع أن يتركه حتى يستحصد ، وإن أثبت له زرعه حتى يستحصد أبطلت شرط رب الأرض ، فكان هذا كراء فاسدا ، ولرب الأرض كراء مثل أرضه إذا زرعه ، وعليه تركه حتى يستحصد " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورة هذه المسألة : أن يستأجر الرجل أرضا مدة معلومة ليزرعها زرعا موصوفا ، فزرعها ، ثم انقضت المدة قبل استحصاد زرعها ، فلا يخلو حال المدة من ثلاثة أقسام : أحدها : أن يعلم أن ذلك الزرع يستحصد في مثلها ، والثاني : أن يعلم أنه لا يستحصد في مثلها ، والثالث : أن يقع الشك فيه .

                                                                                                                                            فأما القسم الأول : وهو أن يعلم بجاري العادة أن مثل ذلك الزرع يستحصد في مثل تلك المدة فانقضت المدة قبل استحصاده ، فلا يخلو ذلك من ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكون تأخر استحصاده لعدوله عن الجنس الذي شرطه إلى غيره ؛ مثل أن يستأجر خمسة أشهر لزرع الباقلا ، فيزرعها برا ، فتنقضي المدة ، والزرع غير مستحصد ، فهذا يؤخذ بقلع زرعه قبل استحصاده : لأنه بعدوله عن الباقلا إلى البر يصير متعديا فلم [ ص: 458 ] يستحق استيفاء زرع تعدى فيه ، فإن تراضى المؤجر والمستأجر على تركه إلى أوان حصاده بأجرة المثل فيما زاد على المدة أقر ، وإن رضي المستأجر وأبى المؤجر ، أو رضي المؤجر وأبى المستأجر من بذل أجرة المثل قلع .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يكون تأخير استحصاده لتأخير بذره من غير عدول عن جنسه ، فهذا مفرط ، ويؤخذ بقلع زرعه قبل استحصاده : لأن تفريطه لا يلزم غيره ، فإن بذل أجرة مثل المدة الزائدة ورضي المؤجر بقبولها ترك ، وإلا قلع .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يكون تأخير استحصاده لأمر سمائي من استدامة برد ، أو تأخير مطر ، أو دوام ثلج ، ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يترك إلى وقت استحصاده : لأنه لم يكن من المستأجر عدوان ولا تفريط ، فإذا ترك إلى وقت الحصاد ضمن المستأجر أجرة مثل المدة الزائدة على عقده .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن يؤخذ بقلع زرعه ولا يترك : لأنه قد كان يقدر على الاستظهار لنفسه في استزادة المدة خوفا من حادث سماء ، فلما لم يستظهر صار مفرطا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية