[ ص: 497 ] باب إقطاع المعادن وغيرها
مسألة : قال
الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وفي
nindex.php?page=treesubj&link=6664إقطاع المعادن قولان : أحدهما : أنه يخالف إقطاع الأرض : لأن من أقطع أرضا فيها معادن ، أو عملها وليست لأحد سواء كانت ذهبا ، أو فضة ، أو نحاسا ، أو ما لا يخلص إلا بمؤنة : لأنه باطن مستكن بين ظهراني تراب أو حجارة كانت هذه كالموات في أن له أن يقطعه إياها ، ومخالفة للموات في أحد القولين ، فإن الموات إذا أحييت مرة ثبت إحياؤها ، وهذه في كل يوم يبتدأ إحياؤها لبطون ما فيها " .
قال
الماوردي : قد ذكرنا أن
nindex.php?page=treesubj&link=6721_6722المعادن ضربان ظاهرة وباطنة ، وذكرنا أن الظاهرة منها لا يجوز إقطاعها ، فأما الباطنة وهي التي لا شيء في ظاهرها حتى تحفر أو تقطع ، فيظهر ما فيها بالحفر والقطع كمعادن الفضة ، والذهب ، والنحاس ، والحديد ، سواء احتاج ما فيها إلى سبك وتخليص كالفضة ، والنحاس ، أو لم يحتج إلى ذلك كالتبر من الذهب ، ففي جواز إقطاعها قولان :
أحدهما : أن إقطاعها لا يجوز ، والناس كلهم فيها شرع يتساوى جميعهم في تناول ما فيها كالمعادن الظاهرة التي يتساوى الناس فيها ، ولا يجوز إقطاعها : لأن ما فيها جميعا مخلوق يوصل إليه بالعمل ويملك بالأخذ ، فعلى هذا يستوي حال المقطع وغيره في تناول ما فيها ، كما لو أقطع المعادن الظاهرة ، ولم يصر أحق بها من لم يستقطعها .
والقول الثاني : أن إقطاعها جائز ، والقطع أحق بها من غيره ، روى
كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني ، عن أبيه ، عن جده
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقطع بلال بن الحارث المزني معادن القبلية جلسيها وغوريها ، وحيث يصلح الزرع من قدس ، ولم يعطه حق مسلم وفيه تأويلان :
أحدهما : وهو قول
عبد الله بن وهب أن جلسيها وغوريها أعلاها وأسفلها .
والتأويل الثاني : وهو قول
أبي عبيد وابن قتيبة أن الغور ما كان من
بلاد تهامة ، والجلس ما كان من
بلاد نجد .
قال
الشماخ :
[ ص: 498 ] فأضحت على ماء العذيب وعينها كوقب الصنعا جلسيها قد تغورا
ولأن
nindex.php?page=treesubj&link=6721_6722المعادن الباطنة تخالف الظاهرة من وجهين توافق بينهما الموات .
أحدهما : ما يلزم من كثرة المؤونة في الباطنة حتى ربما ساوت مؤونة إحياء الموات وزادت ، ولا يلزم ذلك في الظاهر .
والثاني : أن ما في الباطنة مظنون متوهم فشابه ما يظن من منافع الموات بعد الإحياء ، وما في الظاهرة مشاهد متيقن فصارت الباطنة من هذين الوجهين مفارقة للظاهرة في المنع من إقطاعها ، وملحقة بالموات في جواز إقطاعها .
[ ص: 497 ] بَابُ إِقْطَاعِ الْمَعَادِنِ وَغَيْرِهَا
مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : " وَفِي
nindex.php?page=treesubj&link=6664إِقْطَاعِ الْمَعَادِنِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ يُخَالِفُ إِقْطَاعَ الْأَرْضِ : لِأَنَّ مَنْ أَقْطَعَ أَرْضًا فِيهَا مَعَادِنُ ، أَوْ عَمِلَهَا وَلَيْسَتْ لِأَحَدٍ سَوَاءٌ كَانَتْ ذَهَبًا ، أَوْ فِضَّةً ، أَوْ نُحَاسًا ، أَوْ مَا لَا يَخْلُصُ إِلَا بِمُؤْنَةٍ : لِأَنَّهُ بَاطِنٌ مُسْتَكِنٌّ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ تُرَابٍ أَوْ حِجَارَةٍ كَانَتْ هَذِهِ كَالْمَوَاتِ فِي أَنَّ لَهُ أَنْ يُقْطِعَهُ إِيَّاهَا ، وَمُخَالِفَةٌ لِلْمَوَاتِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ ، فَإِنَّ الْمَوَاتَ إِذَا أُحْيِيَتْ مَرَّةً ثَبَتَ إِحْيَاؤُهَا ، وَهَذِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ يُبْتَدَأُ إِحْيَاؤُهَا لِبُطُونِ مَا فِيهَا " .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=6721_6722الْمَعَادِنَ ضَرْبَانِ ظَاهِرَةٌ وَبَاطِنَةٌ ، وَذَكَرْنَا أَنَّ الظَّاهِرَةَ مِنْهَا لَا يَجُوزُ إِقْطَاعُهَا ، فَأَمَّا الْبَاطِنَةُ وَهِيَ الَّتِي لَا شَيْءَ فِي ظَاهِرِهَا حَتَّى تُحْفَرَ أَوْ تُقْطَعَ ، فَيَظْهَرَ مَا فِيهَا بِالْحَفْرِ وَالْقَطْعِ كَمَعَادِنِ الْفِضَّةِ ، وَالذَّهَبِ ، وَالنُّحَاسِ ، وَالْحَدِيدِ ، سَوَاءٌ احْتَاجَ مَا فِيهَا إِلَى سَبْكٍ وَتَخْلِيصٍ كَالْفِضَّةِ ، وَالنُّحَاسِ ، أَوْ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى ذَلِكَ كَالتِّبْرِ مِنَ الذَّهَبِ ، فَفِي جَوَازِ إِقْطَاعِهَا قَوْلَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ إِقْطَاعَهَا لَا يَجُوزُ ، وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ فِيهَا شَرْعٌ يَتَسَاوَى جَمِيعُهُمْ فِي تَنَاوُلِ مَا فِيهَا كَالْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي يَتَسَاوَى النَّاسُ فِيهَا ، وَلَا يَجُوزُ إِقْطَاعُهَا : لِأَنَّ مَا فِيهَا جَمِيعًا مَخْلُوقٌ يُوصَلُ إِلَيْهِ بِالْعَمَلِ وَيُمْلَكُ بِالْأَخْذِ ، فَعَلَى هَذَا يَسْتَوِي حَالُ الْمُقْطِعِ وَغَيْرِهِ فِي تَنَاوُلِ مَا فِيهَا ، كَمَا لَوْ أَقْطَعَ الْمَعَادِنَ الظَّاهِرَةَ ، وَلَمْ يَصِرْ أَحَقَّ بِهَا مَنْ لَمْ يَسْتَقْطِعْهَا .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ إِقْطَاعَهَا جَائِزٌ ، وَالْقَطْعُ أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ ، رَوَى
كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْطَعَ بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ الْمُزَنِيَّ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ جَلْسِيَّهَا وَغَوْرِيَّهَا ، وَحَيْثُ يَصْلُحُ الزَّرْعُ مِنْ قُدْسٍ ، وَلَمْ يُعْطِهِ حَقَّ مُسْلِمٍ وَفِيهِ تَأْوِيلَانِ :
أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ أَنَّ جَلْسِيَّهَا وَغَوْرِيَّهَا أَعْلَاهَا وَأَسْفَلَهَا .
وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي عَبِيدٍ وَابْنِ قُتَيْبَةَ أَنَّ الْغَوْرَ مَا كَانَ مِنْ
بِلَادِ تِهَامَةَ ، وَالْجَلْسَ مَا كَانَ مِنْ
بِلَادِ نَجْدٍ .
قَالَ
الشَّمَّاخُ :
[ ص: 498 ] فَأَضْحَتْ عَلَى مَاءِ الْعُذَيْبِ وَعَيْنُهَا كَوَقْبِ الصَّنْعَا جِلْسِيُّهَا قَدْ تَغَوَّرَا
وَلِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=6721_6722الْمَعَادِنَ الْبَاطِنَةَ تُخَالِفُ الظَّاهِرَةَ مِنْ وَجْهَيْنِ تَوَافَقَ بَيْنَهُمَا الْمَوَاتُ .
أَحَدُهُمَا : مَا يَلْزَمُ مِنْ كَثْرَةِ الْمَؤُونَةِ فِي الْبَاطِنَةِ حَتَّى رُبَّمَا سَاوَتْ مَؤُونَةَ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَزَادَتْ ، وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي الظَّاهِرِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ مَا فِي الْبَاطِنَةِ مَظْنُونٌ مُتَوَهَّمٌ فَشَابَهَ مَا يَظُنُّ مِنْ مَنَافِعِ الْمَوَاتِ بَعْدَ الْإِحْيَاءِ ، وَمَا فِي الظَّاهِرَةِ مُشَاهِدٌ مُتَيَقِّنٌ فَصَارَتِ الْبَاطِنَةُ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ مُفَارَقَةً لِلظَّاهِرَةِ فِي الْمَنْعِ مِنْ إِقْطَاعِهَا ، وَمُلْحَقَةً بِالْمَوَاتِ فِي جَوَازِ إِقْطَاعِهَا .