الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ولا ينبغي أن يقطعه من المعادن إلا قدر ما يحتمل ، على أنه إن عطله لم يكن له منع من أخذه ، ومن حجته في ذلك أن له بيع الأرض وليس له بيع المعادن وأنها كالبئر تحفر بالبادية فتكون لحافرها ، ولا يكون له منع الماشية فضل مائها وكالمنزل بالبادية هو أحق به ، فإذا تركه لم يمنع منه من نزله " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : واعلم أن الإقطاع ضربان : إقطاع إرفاق ، وإقطاع تمليك ، فأما إقطاع [ ص: 499 ] الإرفاق فهو التمكين من المعدن ليعمل فيه ولا يمنع غيره منه ، فهذا يصح في المعادن الظاهرة والباطنة جميعا ، وأما إقطاع التمليك فهو الذي يمنع منه في المعادن الظاهرة ، وفي جوازه في المعادن الباطنة قولان مضيا ، فإذا جوزناه فلا ينتفي للإمام أن يقطع أحدا منه إلا قدر ما يحتمل أن يعمل فيه ويقدر على القيام به ، فإن كان واحدا أقطعه قدر ما يحتمله الواحد ، وإن كانوا عشرة أقطعهم قدر ما يحتمل العشرة ، فإن اقتطع أحدا ما لا يقدر على العمل فيه ولا يتمكن من القيام به لم يجز ، لما فيه من تفويت منفعته على المقطع وغيره فصار أسوأ حالا من الحمى الذي ينتفع به من حماه ، وأما قوله على أنه إن عطله لم يكن له منع من أخذه ، فقد اختلف أصحابنا في مراده به فقال بعضهم : أراد به إقطاع الإرفاق دون التمليك ، وقال آخرون : بل أراد به إقطاع التمليك وهو أحد قوليه في أنه يملكه مدة عمله ، ولا يملكه إذا عطله ، فأما ما ظهر بالعمل قبل التعطيل فقد صار في ملكه وله منع غيره منه ، وقال آخرون :

                                                                                                                                            بل أراد به إقطاع التمليك إذا قدره بمدة العمل وشرط فيه زوال الملك عند تعطيل العمل ، فلا يتأيد ملكه قولا واحدا ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية