مسألة : قال
الشافعي رحمه الله : "
nindex.php?page=treesubj&link=11709_27017ولا يلحق المختلعة طلاق وإن كانت في العدة وهو قول
ابن عباس وابن الزبير وقال بعض الناس يلحقها الطلاق في العدة واحتج ببعض التابعين واحتج
الشافعي عليه من القرآن والإجماع بما يدل على أن الطلاق لا يلحقها بما ذكر الله بين الزوجين من اللعان والظهار والإيلاء والميراث والعدة بوفاة الزوج فدلت خمس آيات من كتاب الله تعالى على أنها ليست بزوجة وإنما جعل الله الطلاق يقع على الزوجة فخالف القرآن والأثر والقياس ، ثم قوله في ذلك متناقض فزعم إن قال لها أنت خلية أو برية أو بتة ينوي الطلاق أنه لا يلحقها طلاق فإن قال كل امرأة لي طالق لا ينويها ولا غيرها طلق نساؤه دونها ولو قال لها أنت طالق طلقت فكيف يطلق غير امرأته " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال إذا
nindex.php?page=treesubj&link=11709_27017خالع زوجته على طلقة أو طلقتين وبقيت على واحدة أو اثنتين ثم طلقها في العدة لم يقع طلاقه سواء طلقها بصريح الطلاق أو بكنايته وسواء عجل ذلك في العدة أو بعد العدة .
وبه قال من الصحابة :
ابن عباس وابن الزبير .
ومن التابعين :
عروة بن الزبير .
ومن الفقهاء :
أحمد وإسحاق .
وقال
أبو حنيفة : إن
nindex.php?page=treesubj&link=11709_27017طلقها في العدة بصريح الطلاق وقع طلاقه وإن
nindex.php?page=treesubj&link=11709_27017طلقها بكناية الطلاق كقوله : أنت بائن أو حرام أو على صفة كقوله : إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلتها ، أو قال : كل نسائي طوالق ، لم تطلق في هذه الأحوال الثلاث .
وقال
مالك : إن
nindex.php?page=treesubj&link=11709_27017طلقها عقيب خلعه حتى اتصل طلاقه بخلعه طلقت وإن انفصل عن خلعه لم تطلق .
وقال
الحسن البصري : إن طلقها في مجلس خلعه طلقت وإن طلقها في غيره لم تطلق ، واستدل من نص قول
أبي حنيفة بقول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229الطلاق مرتان فإمساك [ البقرة : 229 ] إلى
[ ص: 17 ] قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229nindex.php?page=treesubj&link=28973فإن طلقها فلا جناح عليهما فيما افتدت به [ البقرة : 229 ] يريد الخلع ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=230فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره [ البقرة : 230 ] فدل على أن الطلاق بعد الخلع واقع .
وروى
أبو يوسف في أماليه
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : nindex.php?page=treesubj&link=27017المختلعة يلحقها الطلاق ما دامت في العدة ، ولأنها معتدة من طلاق فوجب أن يلحقها ما بقي من عدد الطلاق كالرجعية ، ولأن الطلاق كالعتق لسراينهما ، وجواز أخذ العوض عليهما ، والخلع كالكتابة لثبوت العوض فيهما ، ثم ثبت أن المكاتب إذا أعتق صح عتقه لبقايا أحكام الملك ، وجب إذا طلقت المختلعة أن يصح طلاقها لبقايا أحكام النكاح .
ولأن المختلعة كالمتظاهر منها لتحريمها ، وبقايا أحكام نكاحها ، فلما صح طلاق المتظاهر منها وجب أن يصح طلاق المختلعة ، ودليلنا قول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229nindex.php?page=treesubj&link=28973الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان [ البقرة : 229 ] فجعل التسريح لمن له الإمساك ، فلما لم يكن لزوج المختلعة إمساكها ، لم يكن به تسريحها وطلاقها ولأنه إجماع الصحابة لأنه مروي عن
عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن الزبير ، وليس لهما مخالف ، ولأن الطلاق إذا لم يرفع نكاحا ولم يسقط رجعة كان مطرحا كالمطلقة بعد العدة ، ولأنها امرأة لا تحل له إلا بنكاح جديد فلم يلحقها طلاقه كالأجنبية .
فإن قيل : الأجنبية ليس بينها وبينه شيء من أحكام النكاح ، فلم يلحقها الطلاق ،
nindex.php?page=treesubj&link=11709_28152والمختلعة يجري عليها من أحكام النكاح وجوب العدة واستحقاق السكنى ولحوق النسب فجاز أن يلحقها الطلاق .
فالجواب عنه : أن وجوب العدة ولحوق النسب من أحكام الوطء دون النكاح .
ألا ترى لو طلقها قبل الدخول لم تعتد ، ولو طلقها عقب نكاحه فقال : قد قبلت نكاحها هي طالق لم يلحق به الولد ، ولو وطئها بشبهة من غير نكاح وجبت عليها العدة ولحق به الولد ، فدل على أن العدة ولحوق النسب من أحكام الوطء دون النكاح ، وليس كذلك الطلاق ، لأنه من أحكام النكاح دون الوطء .
[ ص: 18 ] وأما السكنى
nindex.php?page=treesubj&link=12679فسكنى المعتدة مستحق بالطلاق دون النكاح ، لأن سكنى النكاح مخالف لسكنى الطلاق من وجهين :
أحدهما : أن
nindex.php?page=treesubj&link=11370سكنى النكاح يسقط باتفاقهما على تركه ، nindex.php?page=treesubj&link=12679وسكنى الطلاق لا يسقط وإن اتفقا على تركه .
والثاني : أن
nindex.php?page=treesubj&link=11370سكنى النكاح يكون حيث شاء الزوج ، nindex.php?page=treesubj&link=12679وسكن الطلاق مستحق في المنزل الذي طلقت فيه فافترقا .
وإذا كان كذلك ثبت أن المختلعة لم يبق عليها من أحكام النكاح شيء وكذلك الطلاق ، ولو كان وجوب العدة موجبا لبقاء النكاح ووقوع الطلاق ، لوقع الطلاق عليها إذا اعتدت من وطء شبهة أو من الطلاق الثلاث ، ولك أن تحرر هذا الانفصال قياسا ثانيا فتقول : كل تصرف استفاد بعقد النكاح يجب أن يزول بزوال النكاح كالإيلاء والظهار واللعان .
فإن قيل : فالإيلاء يصح منها وتضرب له المدة إذا تزوجها ، قيل فكذلك الأجنبية عندكم ، ويكون يمينا يصير بالنكاح المستجد إيلاء ولو كان ذلك إيلاء زوجته لضربت له المدة وطولب بعد الأربعة أشهر بالبينة أو الطلاق كما يطالب به في الزوجية فبطل ما قالوه من صحة الإيلاء منها ، ولأن كل من لا يملك عليها الطلاق ببدل لا يملك عليها الطلاق بغير بدل كالأجنبيات طردا والزوجات عكسا .
فإن نوقض بالمجنونة يصح طلاقها بغير بدل ، ولا يصح ببدل لم يصح النقض ، لأن المجنونة لا يصح طلاق الخلع معها ، ويصح مع وليها ، ومع أجنبي منها فصار طلاقها بالبدل صحيحا ، ولأن من لا يلحقها مكني الطلاق لم يلحقها صريحه ، كالأجنبية طردا ، والزوجة عكسا .
فإن قيل : فالكناية أضعف من الصريح فلم يلحقها كناية طلاق لضعفه ولحقها صريحه لقوته . قيل : الكناية مع النية كالصريح بغير نية . فاستويا في القوة ، ولأن ما أفاد الفرقة في الزوجة لم يفسده في المختلعة كالكناية .
فإن قيل : نكاح المختلعة أضعف من نكاح الزوجة ، فإذا دخل عليها ضعف الكناية لم يعمل فيها ، وإن عمل في الزوجة ، قيل : عكس هذا ألزم لأنه إذا عمل أضعف ، وأضعف الطلاقين في أقوى النكاحين كان أولى أن يعمل في أضعفهما .
فأما الاحتجاج بالآية فلا دليل لهم فيها ، لأنه قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229الطلاق مرتان فجوز بعد الثانية الخلع أو الطلاق ، ولم يجوز بعد الخلع ، فلم يكن فيها دليل . وأما الخبر فضعيف
[ ص: 19 ] لأنه لم يروه أحد من أصحاب الحديث ، وإنما رواه
أبو يوسف في أماليه من غير إسناد رفعه فيه ومثل ذلك لا يحتج به ، وقد كان
الشافعي إذا ذكر له حديث لا يعرفه قال : ثبته لي حتى أصير إليه .
على أننا نتناول قوله : المختلعة يلحقها الطلاق ، بأحد تأويلين : إما أن يحمل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=11645الخلع طلاق وليس بفسخ ، وهو قول
أبي حنيفة وأحد قولي
الشافعي ، أو يحمل على أن لفظ الخلع بغير بدل إذا اقترن به النية كان طلاقا .
وأما قياسهم على الرجعية فتلك زوجة لأنهما يتوارثان ، وتحل له بغير نكاح ، ويلحقها ظهاره وإيلاؤه ولعانه ويصح طلاقها بالكناية وعلى بدل ، فجاز أن يلحقها صريح الطلاق بغير بدل ، والمختلعة كالأجنبية في إنفاء هذه الأحكام عنها كذلك في إنفاء الطلاق .
وأما استدلالهم بالمكاتب فالجواب عنه من وجهين :
أحدهما : أن عتق المكاتب إبراء وتحرير العتق يكون بالعقد وليس كذلك المختلعة .
والثاني : أن بقاء المال على المكاتب كبقاء الرجعة على المطلقة . لأنه
nindex.php?page=treesubj&link=7410_7411_7469يعتق بالصريح والكناية ، ولو قال كل عبيدي أحرار دخل في جملتهم ، فكذلك جاز أن يلحق المكاتب العتق كما يلحق الرجعية الطلاق بالصريح والكناية وتدخل في جملة نسائه إن طلقهن . ولا يلحق المختلعة الطلاق لأنه لا يملك رجعتها ولا يلحقها كناية الطلاق ولا تطلق لو قال كل نسائي طوالق ، فكان إلحاق المكاتب بالرجعية في الوجوه التي ذكرنا ، أولى من إلحاقه بالمختلعة . والله أعلم .
مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : "
nindex.php?page=treesubj&link=11709_27017وَلَا يَلْحَقُ الْمُخْتَلِعَةَ طَلَاقٌ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ وَهُوَ قَوْلُ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ فِي الْعِدَّةِ وَاحْتَجَّ بِبَعْضِ التَّابِعِينَ وَاحْتَجَّ
الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْإِجْمِاعِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَلْحَقُهَا بِمَا ذَكَرَ اللَّهُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مِنَ اللِّعَانِ وَالظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَالْمِيرَاثِ وَالْعِدَّةِ بِوَفَاةِ الزَّوْجِ فَدَلَّتْ خَمْسُ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَإِنَمَا جَعَلَ اللَّهُ الطَّلَاقَ يَقَعُ عَلَى الزَّوْجَةِ فَخَالَفَ الْقُرْآنَ وَالْأَثَرَ وَالْقِيَاسَ ، ثُمَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ مُتَنَاقِضٌ فَزَعَمَ إِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ أَوْ بَتَّةٌ يَنْوِي الطَّلَاقَ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ فَإِنْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ لَا يَنْوِيهَا وَلَا غَيْرَهَا طُلِّقَ نِسَاؤُهُ دُونَهَا وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ طُلِّقَتْ فَكَيْفَ يُطَلِّقُ غَيْرَ امْرَأَتِهِ " .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=11709_27017خَالَعَ زَوْجَتَهُ عَلَى طَلْقَةٍ أَوْ طَلْقَتَيْنِ وَبَقِيَتْ عَلَى وَاحِدَةٍ أَوِ اثْنَتَيْنِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ سَوَاءً طَلَّقَهَا بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ أَوْ بِكِنَايَتِهِ وَسَوَاءً عَجَّلَ ذَلِكَ فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَ الْعِدَّةِ .
وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ :
ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ .
وَمِنَ التَّابِعِينَ :
عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ .
وَمِنَ الْفُقَهَاءِ :
أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ .
وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : إِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=11709_27017طَلَّقَهَا فِي الْعِدَّةِ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ وَقَعَ طَلَاقُهُ وَإِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=11709_27017طَلَّقَهَا بِكِنَايَةِ الطَّلَاقِ كَقَوْلِهِ : أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ أَوْ عَلَى صِفَةٍ كَقَوْلِهِ : إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْهَا ، أَوْ قَالَ : كُلُّ نِسَائِي طَوَالِقٌ ، لَمْ تُطَلَّقْ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثِ .
وَقَالَ
مَالِكٌ : إِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=11709_27017طَلَّقَهَا عَقِيبَ خُلْعِهِ حَتَّى اتَّصَلَ طَلَاقُهُ بِخُلْعِهِ طُلِّقَتْ وَإِنِ انْفَصَلَ عَنْ خُلْعِهِ لَمْ تُطَلَّقْ .
وَقَالَ
الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : إِنْ طَلَّقَهَا فِي مَجْلِسِ خُلْعِهِ طُلِّقَتْ وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي غَيْرِهِ لَمْ تُطَلَّقْ ، وَاسْتَدَلَّ مِنْ نَصِّ قَوْلِ
أَبِي حَنِيفَةَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ [ الْبَقَرَةِ : 229 ] إِلَى
[ ص: 17 ] قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229nindex.php?page=treesubj&link=28973فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [ الْبَقَرَةِ : 229 ] يُرِيدُ الْخُلْعَ ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=230فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [ الْبَقَرَةِ : 230 ] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ بَعْدَ الْخُلْعِ وَاقِعٌ .
وَرَوَى
أَبُو يُوسُفَ فِي أَمَالِيهِ
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : nindex.php?page=treesubj&link=27017الْمُخْتَلِعَةُ يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ ، وَلِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْ طَلَاقٍ فَوَجَبَ أَنْ يَلْحَقَهَا مَا بَقِيَ مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ كَالرَّجْعِيَّةِ ، وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ كَالْعِتْقِ لِسَرَايَنِهِمَا ، وَجَوَازِ أَخْذِ الْعِوَضِ عَلَيْهِمَا ، وَالْخُلْعَ كَالْكِتَابَةِ لِثُبُوتِ الْعِوَضِ فِيهِمَا ، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إِذَا أُعْتِقَ صَحَّ عِتْقُهُ لِبَقَايَا أَحْكَامِ الْمِلْكِ ، وَجَبَ إِذَا طُلِّقَتِ الْمُخْتَلِعَةُ أَنْ يَصِحَّ طَلَاقُهَا لِبَقَايَا أَحْكَامِ النِّكَاحِ .
وَلِأَنَّ الْمُخْتَلِعَةَ كَالْمُتَظَاهَرِ مِنْهَا لِتَحْرِيمِهَا ، وَبَقَايَا أَحْكَامِ نِكَاحِهَا ، فَلَمَّا صَحَّ طَلَاقُ الْمُتَظَاهَرِ مِنْهَا وَجَبَ أَنْ يَصِحَّ طَلَاقُ الْمُخْتَلِعَةِ ، وَدَلِيلُنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229nindex.php?page=treesubj&link=28973الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [ الْبَقَرَةِ : 229 ] فَجَعَلَ التَّسْرِيحَ لِمَنْ لَهُ الْإِمْسَاكُ ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِزَوْجِ الْمُخْتَلِعَةِ إِمْسَاكُهَا ، لَمْ يَكُنْ بِهِ تَسْرِيحُهَا وَطَلَاقُهَا وَلِأَنَّهُ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ لِأَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، وَلَيْسَ لَهُمَا مُخَالِفٌ ، وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ إِذَا لَمْ يَرْفَعْ نِكَاحًا وَلَمْ يُسْقِطْ رَجْعَةً كَانَ مُطَّرِحًا كَالْمُطَلَّقَةِ بَعْدَ الْعِدَّةِ ، وَلِأَنَّهَا امْرَأَةٌ لَا تَحِلُّ لَهُ إِلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ فَلَمْ يَلْحَقْهَا طَلَاقُهُ كَالْأَجْنَبِيَّةِ .
فَإِنْ قِيلَ : الْأَجْنَبِيَّةُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ ، فَلَمْ يَلْحَقْهَا الطَّلَاقُ ،
nindex.php?page=treesubj&link=11709_28152وَالْمُخْتَلِعَةُ يَجْرِي عَلَيْهَا مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ وُجُوبُ الْعِدَّةِ وَاسْتِحْقَاقُ السُّكْنَى وَلُحُوقُ النَّسَبِ فَجَازَ أَنْ يَلْحَقَهَا الطَّلَاقُ .
فَالْجَوَابُ عَنْهُ : أَنَّ وُجُوبَ الْعِدَّةِ وَلُحُوقَ النَّسَبِ مِنْ أَحْكَامِ الْوَطْءِ دُونَ النِّكَاحِ .
أَلَا تَرَى لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ تَعْتَدَّ ، وَلَوْ طَلَّقَهَا عَقِبَ نِكَاحِهِ فَقَالَ : قَدْ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا هِيَ طَالِقٌ لَمْ يُلْحَقْ بِهِ الْوَلَدُ ، وَلَوْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ مِنْ غَيْرِ نِكَاحٍ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلُحِقَ بِهِ الْوَلَدُ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ وَلُحُوقَ النَّسَبِ مِنْ أَحْكَامِ الْوَطْءِ دُونَ النِّكَاحِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الطَّلَاقُ ، لِأَنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ دُونَ الْوَطْءِ .
[ ص: 18 ] وَأَمَّا السُّكْنَى
nindex.php?page=treesubj&link=12679فَسُكْنَى الْمُعْتَدَّةِ مُسْتَحَقٌّ بِالطَّلَاقِ دُونَ النِّكَاحِ ، لِأَنَّ سُكْنَى النِّكَاحِ مُخَالِفٌ لِسُكْنَى الطَّلَاقِ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=11370سُكْنَى النِّكَاحِ يَسْقُطُ بِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى تَرْكِهِ ، nindex.php?page=treesubj&link=12679وَسُكْنَى الطَّلَاقِ لَا يَسْقُطُ وَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى تَرْكِهِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=11370سُكْنَى النِّكَاحِ يَكُونُ حَيْثُ شَاءَ الزَّوْجُ ، nindex.php?page=treesubj&link=12679وَسَكَنَ الطَّلَاقِ مُسْتَحَقٌّ فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي طُلِّقَتْ فِيهِ فَافْتَرَقَا .
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ثَبَتَ أَنَّ الْمُخْتَلِعَةَ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهَا مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ شَيْءٌ وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ ، وَلَوْ كَانَ وُجُوبُ الْعِدَّةِ مُوجِبًا لِبَقَاءِ النِّكَاحِ وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ ، لَوَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا إِذَا اعْتَدَّتْ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ مِنَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ ، وَلَكَ أَنْ تُحَرِّرَ هَذَا الِانْفِصَالَ قِيَاسًا ثَانِيًا فَتَقُولُ : كُلُّ تَصَرُّفٍ اسْتَفَادَ بِعَقْدِ النِّكَاحِ يَجِبُ أَنْ يَزُولَ بِزَوَالِ النِّكَاحِ كَالْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ وَاللِّعَانِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَالْإِيلَاءُ يَصِحُّ مِنْهَا وَتَضْرِبُ لَهُ الْمُدَّةَ إِذَا تَزَوَّجَهَا ، قِيلَ فَكَذَلِكَ الْأَجْنَبِيَّةُ عِنْدَكُمْ ، وَيَكُونُ يَمِينًا يَصِيرُ بِالنِّكَاحِ الْمُسْتَجَدِّ إِيلَاءً وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ إِيلَاءَ زَوْجَتِهِ لَضَرَبَتْ لَهُ الْمُدَّةَ وَطُولِبَ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بِالْبَيِّنَةِ أَوِ الطَّلَاقِ كَمَا يُطَالَبُ بِهِ فِي الزَّوْجِيَّةِ فَبَطَلَ مَا قَالُوهُ مِنْ صِحَّةِ الْإِيلَاءِ مِنْهَا ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَا يَمْلِكُ عَلَيْهَا الطَّلَاقَ بِبَدَلٍ لَا يَمْلِكُ عَلَيْهَا الطَّلَاقَ بِغَيْرِ بَدَلٍ كَالْأَجْنَبِيَّاتِ طَرْدًا وَالزَّوْجَاتِ عَكْسًا .
فَإِنْ نُوقِضَ بِالْمَجْنُونَةِ يَصِحُّ طَلَاقُهَا بِغَيْرِ بَدَلٍ ، وَلَا يَصِحُّ بِبَدَلٍ لَمْ يَصِحَّ النَّقْضُ ، لِأَنَّ الْمَجْنُونَةَ لَا يَصِحُّ طَلَاقُ الْخُلْعِ مَعَهَا ، وَيَصِحُّ مَعَ وَلِيِّهَا ، وَمَعَ أَجْنَبِيٍّ مِنْهَا فَصَارَ طَلَاقُهَا بِالْبَدَلِ صَحِيحًا ، وَلِأَنَّ مَنْ لَا يَلْحَقُهَا مَكْنِيُّ الطَّلَاقِ لَمْ يَلْحَقْهَا صَرِيحُهُ ، كَالْأَجْنَبِيَّةِ طَرْدًا ، وَالزَّوْجَةِ عَكْسًا .
فَإِنْ قِيلَ : فَالْكِنَايَةُ أَضْعَفُ مِنَ الصَّرِيحِ فَلَمْ يَلْحَقْهَا كِنَايَةُ طَلَاقٍ لِضَعْفِهِ وَلَحِقَهَا صَرِيحُهُ لِقُوَّتِهِ . قِيلَ : الْكِنَايَةُ مَعَ النِّيَّةِ كَالصَّرِيحِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ . فَاسْتَوَيَا فِي الْقُوَّةِ ، وَلِأَنَّ مَا أَفَادَ الْفُرْقَةَ فِي الزَّوْجَةِ لَمْ يُفْسِدْهُ فِي الْمُخْتَلِعَةِ كَالْكِنَايَةِ .
فَإِنْ قِيلَ : نِكَاحُ الْمُخْتَلِعَةِ أَضْعَفُ مِنْ نِكَاحِ الزَّوْجَةِ ، فَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا ضَعْفُ الْكِنَايَةِ لَمْ يَعْمَلْ فِيهَا ، وَإِنْ عَمِلَ فِي الزَّوْجَةِ ، قِيلَ : عَكْسُ هَذَا أَلْزَمُ لِأَنَّهُ إِذَا عَمِلَ أَضْعَفَ ، وَأَضْعَفُ الطَّلَاقَيْنِ فِي أَقْوَى النِّكَاحَيْنِ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَعْمَلَ فِي أَضْعَفِهِمَا .
فَأَمَّا الِاحْتِجَاجُ بِالْآيَةِ فَلَا دَلِيلَ لَهُمْ فِيهَا ، لِأَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَجَوَّزَ بَعْدَ الثَّانِيَةِ الْخُلْعَ أَوِ الطَّلَاقَ ، وَلَمْ يُجَوِّزْ بَعْدَ الْخُلْعِ ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا دَلِيلٌ . وَأَمَّا الْخَبَرُ فَضَعِيفٌ
[ ص: 19 ] لِأَنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ
أَبُو يُوسُفَ فِي أَمَالِيهِ مِنْ غَيْرِ إِسْنَادٍ رَفَعَهُ فِيهِ وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ ، وَقَدْ كَانَ
الشَّافِعِيُّ إِذَا ذُكِرَ لَهُ حَدِيثٌ لَا يَعْرِفُهُ قَالَ : ثَبِّتْهُ لِي حَتَّى أَصِيرَ إِلَيْهِ .
عَلَى أَنَّنَا نَتَنَاوَلُ قَوْلَهُ : الْمُخْتَلِعَةُ يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ ، بِأَحَدِ تَأْوِيلَيْنِ : إِمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=11645الْخُلْعَ طَلَاقٌ وَلَيْسَ بِفَسْخٍ ، وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحَدُ قَوْلَيِ
الشَّافِعِيِّ ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْخُلْعِ بِغَيْرِ بَدَلٍ إِذَا اقْتَرَنَ بِهِ النِّيَّةُ كَانَ طَلَاقًا .
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الرَّجْعِيَّةِ فَتِلْكَ زَوْجَةٌ لِأَنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ ، وَتَحِلُّ لَهُ بِغَيْرِ نِكَاحٍ ، وَيَلْحَقُهَا ظِهَارُهُ وَإِيلَاؤُهُ وَلِعَانُهُ وَيَصِحُّ طَلَاقُهَا بِالْكِنَايَةِ وَعَلَى بَدَلٍ ، فَجَازَ أَنْ يَلْحَقَهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ بِغَيْرِ بَدَلٍ ، وَالْمُخْتَلِعَةُ كَالْأَجْنَبِيَّةِ فِي إِنْفَاءِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ عَنْهَا كَذَلِكَ فِي إِنْفَاءِ الطَّلَاقِ .
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِالْمُكَاتَبِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ عِتْقَ الْمُكَاتَبِ إِبْرَاءٌ وَتَحْرِيرُ الْعِتْقِ يَكُونُ بِالْعَقْدِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُخْتَلِعَةُ .
وَالثَّانِي : أَنَّ بَقَاءَ الْمَالِ عَلَى الْمُكَاتَبِ كَبَقَاءِ الرَّجْعَةِ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ . لِأَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=7410_7411_7469يُعْتَقُ بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ عَبِيدِي أَحْرَارٌ دَخَلَ فِي جُمْلَتِهِمْ ، فَكَذَلِكَ جَازَ أَنْ يَلْحَقَ الْمُكَاتَبَ الْعِتْقُ كَمَا يَلْحَقُ الرَّجْعِيَّةَ الطَّلَاقُ بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ وَتَدْخُلُ فِي جُمْلَةِ نِسَائِهِ إِنْ طَلَّقَهُنَّ . وَلَا يَلْحَقُ الْمُخْتَلِعَةَ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا وَلَا يَلْحَقُهَا كِنَايَةُ الطَّلَاقِ وَلَا تُطَلَّقُ لَوْ قَالَ كُلُّ نِسَائِي طَوَالِقُ ، فَكَانَ إِلْحَاقُ الْمُكَاتَبِ بِالرَّجْعِيَّةِ فِي الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَا ، أَوْلَى مِنْ إِلْحَاقِهِ بِالْمُخْتَلِعَةِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .