الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولو خلعها على أن ترضع ولده وقتا معلوما فمات المولود فإنه يرجع بمهر مثلها لأن المرأة تدر على المولود ولا تدر على غيره ويقبل ثديها ولا يقبل غيره ويترأمها فتستمريه ولا يستمري غيرها ولا يترأمه ولا تطيب نفسا له " . [ ص: 69 ] قال الماوردي : قد مضى الكلام في جواز الخلع على الرضاع والكفالة ، لأن ما جازت المعاوضة عليه في غير الخلع جاز أن يكون عوضا في الخلع . والرضاع تصح الإجارة عليه لقول الله تعالى : فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن [ الطلاق : 6 ] . فإن قيل كيف يجوز أن يستأجرها على رضاع ولدها ويخالعها عليه ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الذي يقاتل عن غيره ويأخذ عليه أجرا كمثل أم موسى ترضع ولدها وتأخذ عليه أجرا ، فضرب لك مثلا أنه لا يجوز أن يقاتل عن غيره بأجر كما لا يجوز للمرأة أن ترضع ولدها بأجر .

                                                                                                                                            قيل : رضاع الولد مستحق على الأب إذا كان باقيا دون الأم لقول الله تعالى : وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف [ البقرة : 233 ] . فكذلك الرضاع ، لأنه يقوم مقام الطعام والشراب فإن عدم الأب وجب الرضاع على الأم كما يجب نفقته عليها إذا مات الأب ، فليس لها بعد موت الأب أن تأخذ على رضاعه أجرا لوجوبه عليها ، فأما مع بقاء الأب ووجوب رضاعه عليه ، فإن كانا على الزوجية لم يكن لها أن ترضعه بأجر ، لأنه قد ملك بالاستمتاع بها ما استحق أن يمنعها من إجارة نفسها للرضاع فلم يكن لها معاوضة على الرضاع .

                                                                                                                                            فأما إذا ارتفعت الزوجية فقد زال ما استحقه من منعها ، وجاز أن ترضع غير ولدها بأجر ، فجاز أن ترضع ولدها بأجر ، لأن رضاع ولدها مع بقاء الأب واجب عليه دونها ، وإذا كان كذلك صح الخلع على الرضاع ، لأنها ترضعه بعد الفراق ، وإذا صح فلابد من تقديره بالمدة ليصير معلوما ينتفي عنه الجهالة ، فإذا شرط عليها في الخلع رضاع ولده حولين كاملين لم تخل حالهما من حضانة الولد وكفالته والقيام بتربيته وغسل خرقه وحمله من ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يشترط دخولها في الخلع ، أو في الإجارة فيدخل فيه وتؤخذ الأم المستأجرة به .

                                                                                                                                            والثاني : أن يشترطا خروجها من الخلع ، أو من الإجارة فتخرج منه ، ولا يلزم الأم أن تؤخذ به ، وعلى الأب أن يقيم له من يخدمه ، ويقوم بحمله وتنظيفه .

                                                                                                                                            والثالث : أن يطلق عقد الخلع ، أو الإجارة في الرضاع فلا يشترط دخول القيام بخدمته فيه ، ولا خروجه منه ففيه وجهان مبنيان على اختلاف وجهي أصحابنا في المقصود بعقد الإجارة .

                                                                                                                                            فأحد الوجهين : أن المقصود الرضاع والقيام بالخدمة تبع فعلى هذا يلزمها القيام بخدمته تبعا ، لما استحق عليها من رضاعه . [ ص: 70 ] والوجه الثاني : أن المقصود بالإجارة الخدمة ، لأن لبن الرضاع غير مجهولة لا تصح الإجارة عليها من القيام بالخدمة فصار الرضاع تبعا لما تصح الإجارة عليه من القيام بالخدمة فعلى هذا لا يلزمها في استحقاق الرضاع عليها القيام بخدمته إلا بشرط ، وهذا التعليل معلول ، لأنه لو صار لهذا المعنى الرضاع تبعا للقيام بالخدمة لما جاز إفراده بالعقد إذا شرط فيه إسقاط القيام بالخدمة وما أحسب أحدا يمنع منه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية