الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما إذا عكس مسألة الكتاب فقال : إن كنت حائلا فأنت طالق فهو ممنوع من وطئها حتى يستبرئها لجواز أن تكون حاملا فتطلق ، وفي هذا المنع وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه منع تحريم كالمنع في قوله : إن كنت حائلا فأنت طالق .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه كراهة لا تحريم وقد أشار إليه الشافعي في " الإملاء " ، والفرق بين أن يعلق طلاقها بوجود الحمل فيكون المنع لكراهة لا لتحريم وبين أن يعلقه بعدم الحمل فيكون المنع منع تحريم هو أن الأصل ألا حمل فحرم وطئها ، إذا علقه بعدمه ، ولم يحرم إذا علقه بوجوده . وإذا لزم استبراؤها لوطئه لم يخل حاله من أن يكون قد استبرأها قبل عقد طلاقها ، أو لم يستبرئها ، فإن لم يكن قد استبرأها فعليه أن يستبرئ ، وفي قدر ما يستبرئ به وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : بثلاثة أقراء هي ثلاثة أطهار لأن استبراء الحرة لا يكون بأقل منها كالعدة .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه يستبرئها بقرء واحد لأنه استبراء لاستباحة الوطء وليس باستبراء من فرقة ، فجرى مجرى استبراء الأمة المشتراة والمسبية وخالف الاستبراء في المسألة المتقدمة ، لأنه استبراء الفرقة ، فعلى هذا هل يكون القرء طهرا أو حيضا ؟ فيه وجهان من اختلاف الوجهين في استبراء الأمة :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه الطهر . [ ص: 148 ] والثاني : أنه الحيض ، وإن كان قد استبرأها قبل عقد طلاقه ، ففي إجزائه عن استبرائه بعد عقده وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يجزئ ، لأنه قد يعلم به براءة الرحم .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه لا يجزئ ، لتقدمه على سببه ، كما لا يجزئ استبراء أمة قبل الشراء عن أن يستبرئها بعد الشراء ، وإذا كان كذلك لم يخل حالها بعد الاستبراء من أن تظهر بها أمارات الحمل أو لا تظهر ، فإن لم تظهر بها أمارات الحمل ولا استرابت بنفسها بعد زمان الاستبراء فهي على الزوجية وله وطؤها ، وإن ظهر بها أمارات الحمل انتظر به حال الوضع ، ولا يخلو حاله إذا وضعته من ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن تضعه لأقل من ستة أشهر من وقت عقده فالطلاق به واقع لعلمنا بوجوده وقت العقد وقد انقضت العدة بانفصاله ، وسواء كان قد وطئها ما بين عقد طلاقه ووضعه أم لا .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن تضعه لأكثر من أربع سنين من وقت عقده ، فلا طلاق عليه لعلمنا أنه كان معدوما عند عقده ، والولد لاحق به ، سواء كان يطأ أم لا ، لأنها فراش له .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن تضعه لأكثر من ستة أشهر ولأقل من أربع سنين ، فلا يخلو حال الزوج من أن يكون قد وطئ في هذه المدة أو لم يطأ ، فإن لم يطأ طلقت ، لعلمنا بوجوده حكما وقت العقد ، وإن وطئ فلا يخلو أن تضعه قبل ستة أشهر من وطئه ، أو بعدها ، فإن وضعته قبل ستة أشهر من وطئه فهو حمل متقدم عند العقد ، فالطلاق واقع بوضعه منقضية ، وإن وضعته بعد ستة أشهر من وطئه فقد يجوز أن يكون متقدما ، ويجوز أن يكون حادثا ، والطلاق لا يقع بالشك فلا يلزمه الطلاق وجها واحدا والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية