الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما الضرب الثالث : وهو ما يصح إظهاره ولا يصح إضماره ، فهو الاستثناء من العدد ، أو الشرط الواقع بحكم الطلاق ، فالاستثناء من العدد ، أن يقول : أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين والشرط الرافع لحكم الطلاق ، أن يقول : أنت طالق إن شاء الله ، فإن أظهره في لفظه متصلا بكلامه صح ، وكان محمولا عليه في الظاهر والباطن ، فلا يلزمه الطلاق إذا قال : إن شاء الله ويقع عليها طلقة واحدة ، إذا قال : أنت طالق [ ص: 182 ] ثلاثا إلا اثنتين ، لأن بعض الكلام مرتبط ببعض ، فأوله موقوف على آخره ، وهو كلام لا ينقض بعضه بعضا ، فصح ولو لم يتلفظ بهذا الاستثناء بلسانه وأضمره بقلبه ونوى بقوله : أنت طالق أن يكون معلقا بمشيئة الله ، أو قال : أنت طالق ثلاثا ونوى الاثنتين ، لم يصح ما أضمره من الاستثناء بمشيئة الله ، ومن العدد ، ووقع الطلاق ثلاثا في الظاهر والباطن ، وإنما كان صحيحا مع الإظهار وباطلا مع الإضمار ، لأن حكم اللفظ أقوى من النية ، لأن الطلاق يقع بمجرد اللفظ من غير نية ، ولا يقع لمجرد النية من غير لفظ ، فإذا تعارضت النية واللفظ ، يغلب حكم اللفظ لقوته على حكم النية لضعفه ، فوقع الطلاق وبطل الاستثناء .

                                                                                                                                            فلو قال وله أربع نسوة : أنتن طوالق ، واستثنى واحدة منهن فعزلها من الطلاق صح استثناؤه من طلاقهن ، مظهرا ومضمرا ، فلا يقع طلاقها إن استثناها ظاهرا بلفظه لا في الظاهر ، ولا في الباطن ، ولا يقع طلاقها إن استثناها ، باطنا بنيته في الباطن ، وإن كان واقعا ، وإن كان واقعا في الظاهر ، ولكن لو قال للأربع : أنتن يا أربع طوالق ، وأراد إلا واحدة فإن استثناها بلفظه صح ، وإن عزلها بنيته لم يصح ، كالاستثناء من العدد لأنه قد صرح بذكر الأربع ، ولم يصرح بذكرهن فيما تقدم ، فلو قال لزوجته : أنت طالق وأراد بقلبه الإشارة بالطلاق إلى إصبعه دون زوجته لم يقبل منه في ظاهر الحكم ، واختلف أصحابنا هل يدين في باطن الحكم فيما بينه وبين الله تعالى أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : يدين فيه لاحتماله .

                                                                                                                                            والثاني : وهو أصح : لا يدين فيه ، ويلزمه الطلاق في الظاهر والباطن جميعا لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الإصبع لا يتوجه إليها طلاق انفصال ، ولا طلاق تحريم .

                                                                                                                                            والثاني : أنه أوقع طلاقا على ألا يكون طلاقا فصار كقوله : أنت طالق إلا أنت ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية