فصل : وأما
أبو حنيفة فاستدل على أن كفارة الظهار لا تجب في الذمة بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا فاعتبر في الأمر بها الإصابة ، فاقتضى أن لا تجب قبلها ثم قدمها على الإصابة فاقتضى أن لا تجب بها ، لأن الوجوب المتعلق بسبب لا يجوز أن يكون قبل وجود السبب ، واقتضى أن لا تجب بعد الإصابة لأنه أمر بالتكفير قبلها فامتنع بهذا التنزيل أن يثبت في الذمة .
[ ص: 449 ] واستدل على إبطال ما ذكرنا من العود مع ما قدمناه من دلائل المخالفين لنا ، بأن العود لو كان هو الإمساك عن طلاقها بعد الظهار لوجب إذا
nindex.php?page=treesubj&link=12148ظاهر من الرجعية أن يصير عائدا إن أمسك عن طلاقها وأن لا يكون مظاهرا لما قد تقدم من طلاقها قال : وأنتم تقولون يكون مظاهرا ولا يكون عائدا فبطل ثبوت ظهاره أن يكون الطلاق رافعا وبطل بإسقاط عوده أن يكون الإمساك عودا ، قال : ولأن
nindex.php?page=treesubj&link=12147الإمساك بعد الظهار استصحاب له، والمستصحب للشيء لا يكون مخالفا له، والمخالف للشيء لا يكون عائدا إليه فبطل أن يكون الإمساك عودا ، قال : ولأن العود إلى الشيء لا يكون إلا بعد المفارقة له، والمحل لا يكون مفارقا فلم يصر عائدا .
والدليل عليه مع ما قدمناه من الدلائل على مخالفينا قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة nindex.php?page=treesubj&link=12141_12142فأوجب الكفارة بالظهار والعود ؛ لأنه جعله شرطا عقبه بالجزاء، والجزاء إذا علق بشرط اقتضى وجوبه عند وجود الشرط ، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر
أوس بن الصامت بالكفارة قبل وطئه، وأمره على الوجوب فدل على ثبوت الكفارة في الذمة قبل الوطء وبعده وأن ليس الوطء شرطا في الوجوب ، ولأن الكفارة المتعلقة بسبب تقتضي الوجوب عند وجود ذلك السبب اعتبارا بسائر الكفارات ، ولأنه تكفير بعتق فجاز أن يثبت في الذمة قياسا على الكفارة القتل .
فأما الجواب عن استدلاله بأن الله تعالى علق وجوب الكفارة بالإصابة ، فهو أنه علقها بالعود بعد الظهار ومنع الإصابة قبلها، فبطل ما فهمته فيه وسقط الاستدلال بها .
وأما الجواب عما ذكره من ظهار الرجعية فهو أن العود عندنا هو الإمساك عن تحريمها بعد الظهار والرجعية محرمة فلم يصر بترك الطلاق عائدا ، والظهار يقع عليها إذا كانت في حكم الزوجية، والرجعية تجري عليها أحكام الزوجية، فوقع عليها الظهار، فلما اختلف عليه الظهار والعود جاز أن يثبت في الرجعة حكم الظهار دون العود .
وأما الجواب عن قوله إن المستديم لا يكون مخالفا والمخالف لا يكون عائدا ، فهو أنه استدام إمساكها، والظهار يمنع منه فصار مخالفا، والمخالف يجوز أن يسمى عائدا ؛ قال الله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=8ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه [ المجادلة : 8 ] .
وأما الجواب عن العود يكون بعد المفارقة ، فهو أنه قد يكون العود قبل المفارقة قال الله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=39حتى عاد كالعرجون القديم [ يس : 39 ] وأنه عائد إلى ما قبل الظهار فصار مفارقا، ولولا ما قدمناه مع من تقدم لكان الكلام مع
أبي حنيفة أبسط وأطول .
فَصْلٌ : وَأَمَّا
أَبُو حَنِيفَةَ فَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ لَا تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَاعْتَبَرَ فِي الْأَمْرِ بِهَا الْإِصَابَةَ ، فَاقْتَضَى أَنْ لَا تَجِبَ قَبْلَهَا ثُمَّ قَدَّمَهَا عَلَى الْإِصَابَةِ فَاقْتَضَى أَنْ لَا تَجِبَ بِهَا ، لِأَنَّ الْوُجُوبَ الْمُتَعَلِّقَ بِسَبَبٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ وُجُودِ السَّبَبِ ، وَاقْتَضَى أَنْ لَا تَجِبَ بَعْدَ الْإِصَابَةِ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالتَّكْفِيرِ قَبْلَهَا فَامْتَنَعَ بِهَذَا التَّنْزِيلِ أَنْ يَثْبُتَ فِي الذِّمَّةِ .
[ ص: 449 ] وَاسْتَدَلَّ عَلَى إِبْطَالِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْعَوْدِ مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ دَلَائِلِ الْمُخَالِفِينَ لَنَا ، بِأَنَّ الْعَوْدَ لَوْ كَانَ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ طَلَاقِهَا بَعْدَ الظِّهَارِ لَوَجَبَ إِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=12148ظَاهَرَ مِنَ الرَّجْعِيَّةِ أَنْ يَصِيرَ عَائِدًا إِنْ أَمْسَكَ عَنْ طَلَاقِهَا وَأَنْ لَا يَكُونَ مُظَاهِرًا لِمَا قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ طَلَاقِهَا قَالَ : وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ يَكُونُ مُظَاهِرًا وَلَا يَكُونُ عَائِدًا فَبَطَلَ ثُبُوتُ ظِهَارِهِ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ رَافِعًا وَبَطَلَ بِإِسْقَاطِ عَوْدِهِ أَنْ يَكُونَ الْإِمْسَاكُ عَوْدًا ، قَالَ : وَلِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=12147الْإِمْسَاكَ بَعْدَ الظِّهَارِ اسْتِصْحَابٌ لَهُ، وَالْمُسْتَصْحِبُ لِلشَّيْءِ لَا يَكُونُ مُخَالِفًا لَهُ، وَالْمُخَالِفُ لِلشَّيْءِ لَا يَكُونُ عَائِدًا إِلَيْهِ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ الْإِمْسَاكُ عَوْدًا ، قَالَ : وَلِأَنَّ الْعَوْدَ إِلَى الشَّيْءِ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ لَهُ، وَالْمَحَلُّ لَا يَكُونُ مُفَارِقًا فَلَمْ يَصِرْ عَائِدًا .
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الدَّلَائِلِ عَلَى مُخَالِفِينَا قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ nindex.php?page=treesubj&link=12141_12142فَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ بِالظِّهَارِ وَالْعَوْدِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ شَرْطًا عَقَّبَهُ بِالْجَزَاءِ، وَالْجَزَاءُ إِذَا عُلِّقَ بِشَرْطٍ اقْتَضَى وَجُوبَهُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ
أَوْسَ بْنَ الصَّامِتِ بِالْكَفَّارَةِ قَبْلَ وَطْئِهِ، وَأَمْرُهُ عَلَى الْوُجُوبِ فَدَلَّ عَلَى ثُبُوتِ الْكَفَّارَةِ فِي الذِّمَّةِ قَبْلَ الْوَطْءِ وَبَعْدَهُ وَأَنْ لَيْسَ الْوَطْءُ شَرْطًا فِي الْوُجُوبِ ، وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِسَبَبٍ تَقْتَضِي الْوُجُوبَ عِنْدَ وُجُودِ ذَلِكَ السَّبَبِ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ ، وَلِأَنَّهُ تَكْفِيرٌ بِعِتْقٍ فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الذِّمَّةِ قِيَاسًا عَلَى الْكَفَّارَةِ الْقَتْلِ .
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّقَ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ بِالْإِصَابَةِ ، فَهُوَ أَنَّهُ عَلَّقَهَا بِالْعَوْدِ بَعْدَ الظِّهَارِ وَمَنَعَ الْإِصَابَةَ قَبْلَهَا، فَبَطَلَ مَا فَهِمْتُهُ فِيهِ وَسَقَطَ الِاسْتِدْلَالُ بِهَا .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا ذَكَرَهُ مِنْ ظِهَارِ الرَّجْعِيَّةِ فَهُوَ أَنَّ الْعَوْدَ عِنْدَنَا هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ تَحْرِيمِهَا بَعْدَ الظِّهَارِ وَالرَّجْعِيَّةُ مُحَرَّمَةٌ فَلَمْ يَصِرْ بِتَرْكِ الطَّلَاقِ عَائِدًا ، وَالظِّهَارُ يَقَعُ عَلَيْهَا إِذَا كَانَتْ فِي حُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ، وَالرَّجْعِيَّةُ تَجْرِي عَلَيْهَا أَحْكَامُ الزَّوْجِيَّةِ، فَوَقَعَ عَلَيْهَا الظِّهَارُ، فَلَمَّا اخْتَلَفَ عَلَيْهِ الظِّهَارُ وَالْعَوْدُ جَازَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الرَّجْعَةِ حُكْمُ الظِّهَارِ دُونَ الْعَوْدِ .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ إِنَّ الْمُسْتَدِيمَ لَا يَكُونُ مُخَالِفًا وَالْمُخَالِفَ لَا يَكُونُ عَائِدًا ، فَهُوَ أَنَّهُ اسْتَدَامَ إِمْسَاكَهَا، وَالظِّهَارُ يَمْنَعُ مِنْهُ فَصَارَ مُخَالِفًا، وَالْمُخَالِفُ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى عَائِدًا ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=8أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ [ الْمُجَادَلَةِ : 8 ] .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْعَوْدِ يَكُونُ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ ، فَهُوَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْعَوْدُ قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=39حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ [ يس : 39 ] وَأَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى مَا قَبْلَ الظِّهَارِ فَصَارَ مُفَارِقًا، وَلَوْلَا مَا قَدَّمْنَاهُ مَعَ مَنْ تَقَدَّمَ لَكَانَ الْكَلَامُ مَعَ
أَبِي حَنِيفَةَ أَبْسَطَ وَأَطْوَلَ .