ما يحل من الطائر ويحرم
( قال ) رحمه الله : والأصل فيما يحل ويحرم من الطائر وجهان ، أحدهما : أن ما أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للمحرم بقتله ، منه ما لا يؤكل ، لأنه خارج من معنى الصيد الذي يحرم على [ ص: 274 ] المحرم قتله ليأكله . والعلم يكاد يحيط أنه إنما حرم على المحرم الصيد الذي كان حلالا له قبل الإحرام ، فإذا أحل رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل بعض الصيد ، دل على أنه محرم أن يأكله ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { الشافعي لا يحل قتل ما أحل الله عز وجل } فالحدأة والغراب مما أحل رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله للمحرم . فما كان في مثل معناهما من الطائر ، فهو داخل في أن لا يجوز أكل لحمه ، كما لا يجوز أكل لحمهما ، لأنه في معناهما ، ولأنهما أيضا مما لم تكن تأكل العرب ، وذلك مثل ما ضر من ذوات الأرواح من سبع وطائر ، وذلك مثل العقاب والنسر والبازي والصقر والشاهين والبواشق ، وما أشبهها ، ما دام يأخذ حمام الناس وغيره من طائرهم ، فكل ما كان في هذا المعنى من الطائر فلا يجوز أكله للوجهين اللذين وصفت من أنه في معنى الحدأة والغراب ، وداخل في معنى ما لا تأكل العرب . وكل ما كان لا يبلغ أن يتناول للناس شيئا من أموالهم من الطائر ، فلم تكن العرب تحرمه إقذارا له ، فكله مباح أن يؤكل ، فعلى هذا ، هذا الباب كله وقياسه . فإن قال قائل : نراك فرقت بين ما خرج من أن يكون ذا ناب من السبع ، مثل الضبع والثعلب ، فأحللت أكلها ، وهي تضر بأموال الناس أكثر من ضرر ما حرمت من الطائر . قلت إني وإن حرمته فليس للضرر فقط حرمته ، ولا لخروج الثعلب والضبع من الضرر أبحتها ، إنما أبحتها بالسنة ، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم إذ نهى عن كل ذي ناب من السباع ، ففيه دلالة على أنه أباح ما كان غير ذي ناب من السباع ، وأنه أحل الضبع نصا ، وأن العرب لم تزل تأكلها ، والثعلب . وتترك الذئب والنمر والأسد فلا تأكله وأن العرب لم تزل تترك أكل النسر والبازي والصقر والشاهين والغراب والحدأة وهي ضرار ، وتترك ما لا يضر من الطائر فلم أجز أكله ، وذلك مثل الرخمة والنعامة ، وهما لا يضران ، وأكلهما لا يجوز ، لأنهما من الخبائث وخارجان من الطيبات . وقد قلت مثل هذا في الدود ، فلم أجز أكل اللحكاء ولا العظاء ولا الخنافس ، وليست بضارة ولكن العرب كانت تدع أكلها ، فكان خارجا من معنى الطيبات ، داخلا في معنى الخبائث عندها .