الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 248 ] ( باب )

الشركة : إذن في التصرف لهما مع أنفسهما

[ ص: 248 ]

التالي السابق


[ ص: 248 ] ( الشركة ) بفتح الشين مع سكون الراء وكسرها وبكسر الشين وسكون الراء ، والأولى أفصحها وهي لغة الاختلاط والامتزاج ، وشرعا ( إذن ) من اثنين فأكثر ( في التصرف لهما ) أي الآذنين في مالهما أو ببدنهما أو على ذمتيهما ( مع ) بقاء تصرف ( أنفسهما ) لهما فيهما ، أي أن يأذن كل منهما أو منهم للآخر في أن يتصرف في مجموع من مالهما أو ببدنهما أو على ذممهما وما ينشأ عن تصرفهما من الربح لهما والخسر عليهما ، فقوله : إذن جنس شمل الشركة وغيرها وقوله في التصرف فصل مخرج الإذن في غيره ، وقوله لهما صلة التصرف فصل ثان مخرج توكيل كل من شخصين الآخر على التصرف له في ماله ، وقوله مع أنفسهما فصل ثالث مخرج دفع كل من شخصين مالا للآخر ليتجر فيه بجزء من ربحه .

ابن عرفة الشركة الأعمية تقرر متمول بين مالكين فأكثر ملكا فقط ، والأخصية بيع مالك كل بعضه ببعض كل الآخر يوجب صحة تصرفه في الجميع فيدخل في الأولى شركة الإرث والغنيمة لا شركة التجر ، وهما في الثانية على العكس ، وشركة الأبدان والحرث باعتبار العمل في الثانية ونية عوضه في الأولى ، وقد يتباينان في الحكم ، فشركة الشريك بالأولى جائزة ، وبالثانية ممنوعة فيها ليس لأحدهما أن يفاوض شريكا دون إذن شريكه ، وله أن يشاركه في سلعة بعينها دون إذنه .

وقول ابن الحاجب إذن في التصرف لهما مع أنفسهما قبلوه ، ويبطل طرده بقول مالك شيء لآخر أذنت لك في التصرف فيه معي ، وقول الآخر له مثل ذلك وليس شركة إذ [ ص: 249 ] لو هلك ملك أحدهما لم يضمنه الآخر وهو لازم الشركة ، ونفي اللازم ينفي الملزوم وعكسه بخروج شركة الجبر كالورثة وشركة المبتاعين شيئا بينهما ، وقد ذكرهما إذ لا إذن في التصرف لهما ، ولذا اختلف في كون تصرف أحدهما كغاصب أم لا ، سمع ابن القاسم ليس لأحد مالكي عبد ضربه بغير إذن شريكه وإن فعل ضمنه إلا في ضرب لا يتلف في مثله أو ضرب أدب . وقال سحنون يضمنه مطلقا ولو بضربة واحدة كأجنبي .

ابن رشد رأي مالك رضي الله تعالى عنه شركته شبهة تسقط الضمان في ضرب الأدب ، وهو أظهر من قول سحنون لأن ترك ضربه أدبا يفسده وعليه زرع أحد الشريكين وبناؤه في أرض بينهما بغير إذن شريكه في كونه كغاصب يقلع زرعه وبناؤه أو لا لشبه الشركة فله الزرع ، وإن لم يفت إلا بان وعليه الكراء لنصف شريكه وله قيمة بنائه قائما وعليه قول ابن القاسم في إيلاد العبد أمة بينه وبين حر نصف قيمتها جناية في رقبته ، وقول سحنون هو دين في ذمته يتبع بما نقص ثمنها عن نصف قيمتها ا هـ .

وأجيب عن إبطال الطرد بتعليق لهما بالتصرف كما تقدم ، وعن إبطال العكس بأن سياق ابن الحاجب دل على أن القصد حد شركة التجر ، وأنها المعقود لها الباب ، وذكر غيرها فيه استطراد والله أعلم . الحط انظر ما معنى تسمية الأولى أعمية مع خروج بعض أنواع الشركة عنها بما ذكر والله أعلم ، قلت إذا حذف قوله فقط ظهرت الأعمية والله أعلم .

الرصاع في استثنائه شركة التجر نظر لأن فائدة الأعم صدقه على الأخص ، فهي داخلة فيه وإلا انتفى عمومه ، فالأولى حذف ملكا فقط والله أعلم .

ابن عرفة وحكمها الجواز كجزأيها البيع والوكالة وعروض وجوبها بعيد ، بخلاف عروض موجب حرمتها وكراهتها ، ودليلها الإجماع في بعض صورها وحديث أبي داود بسنده إلى أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { إن الله يقول أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه ، فإذا خانه خرجت من بينهم } ، ذكره عبد الحق ، وصححه بسكوته عنه والحاكم في مستدركه ، وفيه خرجت من بينهما .




الخدمات العلمية