الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 491 ] وإذا ولدت زوجة رجل وأمة آخر واختلطا عينته القافة ، [ ص: 492 - 494 ] وعن ابن القاسم فيمن وجدت مع ابنتها أخرى لا تلحق به واحدة منهما

التالي السابق


( وإذا ولدت ) حرة ( زوجة رجل وأمة ) رجل ( آخر ) نزل بها ضيفا عند الأول أو أمة زوجة رجل وأمته ( واختلطا ) أي الولدان ولم تعرف كل واحدة منهما ولدها أو تداعيتا أحدهما وبقي الآخر ( عينته ) أي الولد لكل واحدة منهما ( القافة ) بقاف ثم فاء ، أي جماعة من العرب خصهم الله تعالى بمعرفة النسب بالشبه في الخلقة ، وفهم من قوله آخر أنه إن كانت الزوجة الحرة والأمة لرجل واحد واختلط ولداهما فلا قافة وهو كذلك ، فشمل منطوقه مسألتين منصوصتين إحداهما نزل ضيف بأمته على رجل له زوجة حرة ، أو نزل الضيف بزوجته الحرة على رجل له أمة ، والثانية أن تلد أمة زوجة لرجل وأمته . " ق " أشهب من نزل بزوجته الحرة على رجل له أم ولد حامل فولدت هي وامرأة [ ص: 492 ] الضيف في ليلة صبيين ولم تعرف كل واحدة منهما ولدها دعي لهما القافة . ابن رشد فإن ادعى كل واحد منهما واحدا بعينه ونفى كل منهما عن نفسه ما سواه فالواجب على أصولهم أن تدعى له القافة كأمة الشريكين يطأنها في طهر واحد فتلد ولدا يدعيانه معا . الحط هذه المسألة في أول نوازل سحنون من كتاب الاستلحاق ، وفرضها كما فرضها المصنف في زوجة رجل وأمة آخر ولا خصوصية لذلك ، وقال ابن رشد المسألة على ثلاثة أوجه أحدهما أن يدعي كل واحد منهما صبيا بعينه غير الذي ادعاه صاحبه ، ويلحقه بنفسه ، وينفي الآخر عن نفسه والواجب أن يلحق بكل واحد منهما ما ادعاه .

والثاني أن يقول كل واحد منهما لا أدري أيهما ولدي والحكم فيه أن تدعى له القافة ، ولو أرادا في هذا الوجه أن يصطلحا على أن يأخذ كل واحد منهما ولدا يكون ابنه مع كونه لا يدعي علم ذلك لم يكن لهما ذلك ، وتدعى القافة . والوجه الثالث ، أن يدعيا جميعا صبيا معينا يقول كل واحد هذا ولدي وينفيان الآخر عنهما ، والواجب في هذا على أصولهم أن تدعى له القافة ، إذ ليس لهما أن ينفيا الآخر عن أنفسهما ، وقد علم أنه ابن أحدهما . والذي ادعياه جميعا ليس أحدهما أولى به من الآخر ا هـ . ولا يعترض على هذا بأن القافة يحكم بها في أولاد الحرائر على المشهور كما ذكره ابن رشد وغيره لأن العلة في ذلك هي قوة الفراش في النكاح فيلحق الولد بصاحب الفراش الصحيح دون الفاسد ، وذلك معدوم هنا ، إذ لا مزية لأحد الفراشين على الآخر لصحتهما جميعا والله أعلم . ( تنبيهات )

الأول : البرزلي إذا عدمت القافة ، فإذا كبر الولد وإلى أيهما شاء كما إذا أشكل الأمر على القافة أو ألحقته بهما فإن مات قبل ذلك ورثاه وإذا ماتا ورثهما معا .

الثاني : القرافي لا يشترط في القائف كونه من بني مدلج ، فإذا كان في أي عصر من أودعه الله تعالى تلك الخاصة فإنه يقبل قوله ولو لم يكن من مدلج ، الآبي في شرح مسلم [ ص: 493 ] تقي الدين ، اختلف السلف في اختصاص القافة ببني مدلج وعدمه ، لأن المراعى فيها إنما هو إدراك الشبه وهو غير خاص بهم ، ويقال إن لهم في ذلك قوة ليست لغيرهم ، وكان يقال في علوم العرب ثلاثة : السيافة والعيافة ، والقيافة فالسيافة شم تراب الأرض والعيافة زجر الطير والطيرة والتفاؤل ونحوهما والقيافة اعتبار الشبه في إلحاق النسب ا هـ .

الثالث : طفي قول تت الثانية إذا ولدت امرأته جارية وأمته جارية أي أمة رجل آخر غيره كما يؤخذ من ابن شاس ، وإلا فلا قافة ونص ابن شاس ولو ولدت زوجة رجل غلاما وأمته غلاما وماتا فقال الرجل أحدهما ابني ولم أعرفه دعي لهما القافة ، فمن ألحقوه به لحق به ، ويلحق الآخر بالآخر ا هـ . فهذا يدل على أن مراده بقوله وأمته أي الرجل لا بقيده المتقدم ، ويدل أيضا على هذا قول ابن عرفة في الفرض المذكور الشيخ عن كتاب ابن سحنون لو ولدت زوجة رجل غلاما وأمة آخر غلاما وماتتا فقال أحدهما ولدي ولا أعرفه إلخ ، ولا يصح على غير هذا الفرض ، إذ لو كانت أمة الرجل نفسه ولدت منه فلا قافة لاتحاد الأب ، ولو كانت متزوجة فلا يشملها قوله أمة آخر فتعين حمل كلامه على ما قلناه خلاف ما يظهر من قول البساطي لم يرد به إلا ولد أم الولد لا الرقيق ، وقوله كما أنه لم يرد بزوجة رجل ما هو أعم إلخ ، فيه نظر ، إذا الأمة المتزوجة كالحرة البناني فيه نظر .

ابن عرفة ابن ميسر من وضعت زوجته وأم ولده في ليلة ابنا وبنتا وجهلت من ولدت الابن وكلتاهما تدعيه فنسبهما معا ثابت يرثانه ويرثهما ، ثم قال واعلم أن القافة تلحق الأبناء بالأمهات ، فقد قال سحنون أنهم يلحقون كل واحدة بولدها ا هـ . وتحصل من كلام " ز " ، أن المسائل أربع يفرق بين الإماء والحرائر في واحدة وهي إن اتحد الولد وتعدد الأب ، وثلاث يسوى فيهن الإماء والحرائر ، وهو تعدد الولد مع تعدد الأب والأم ، أو مع تعدد الأم فقط والله أعلم . أقول مستعينا بالله تعالى إذا حمل على زوجة رجل وأمة آخر كان عين فرع المصنف وقوله إذ لو كانت أمة الرجل نفسه ولدت منه فلا قافة لاتحاد الأب ممنوع ، إذ ولد الزوجة [ ص: 494 ] الرقيقة رق لسيدها وولد الأمة المملوكة حر فتدعى القافة لتميز الحر من الرقيق ، وإن اتحد أبوهما ، ولأنه لا يلزم من لحوق نسبهما بأبيهما واتحاده عدم الاحتياج للقافة . إذ يحتاج لها لتعين لكل أم ولدها كما قاله سحنون والله أعلم .

( وعن ابن القاسم ) رحمه الله تعالى ( فيمن ) أي امرأة أو المرأة التي ولدت بنتا وخشيت من زوجها فراقها لكراهته البنت فطرحتها على باب المسجد مثلا ، عسى أن يلتقطها من يربيها فلما حضر زوجها ألزمها بالإتيان بها فذهبت لها ف ( وجدت مع ابنتها ) التي طرحتها بنتا ( أخرى ) ولم تعرف بنتها من هي منهما ف ( لا تلحق به ) أي الزوج ( واحدة ) منهما قاله ابن القاسم ومحمد . وقال سحنون تدعى القافة لتلحق به إحداهما " ق " الشيخ عن كتاب ابن ميسر من حلف لزوجته الحامل إن ولدت المرة جارية لأغيبن عنك غيبة طويلة ، فولدت جارية في سفره فبعثت بها خادمها في جوف الليل لتطرحها على باب قوم ففعلت ، فتقدم زوجها فوافى الخادم راجعة ، فأنكر خروجها ليلا وحقق عليها فأخبرته فردها لتأتي بالصبية فوجدت صبيتين فأتت بهما فأشكل على الأم أيهما هي منهما ، فقال ابن القاسم لا تلحق واحدة منهما وقاله محمد . وقال سحنون تدعى القافة لهما ، وبه أقول الحط كذا فعل ابن الحاجب ذكرها عقب التي قبلها ونسبها لابن القاسم ، لكن زاد وقال سحنون القافة فقال في التوضيح كأنه أتى بهذا الفرع إثر الأول إشارة إلى تعارضهما فكأنه أشار إلى تخريج الخلاف من الثانية في الأولى ، قاله ابن عبد السلام ، وهو تخريج ظاهر ، إذ الظاهر أنه لا فرق بينهما ا هـ . وما قاله ظاهر لا شك فيه . تت قول الشارح إنما أتى بهذه عقب التي قبلها لأن ظاهرهما التعارض ، أي لأنهم أعملوا القافة في الأولى دون الثانية ، ولا فرق بينهما غير ظاهر لأن عدم إعمالها في هذه لاحتمال كون البنت الأخرى بنت حرة ، والقافة لا تكون بين الحرائر ا هـ . طفي ظاهره [ ص: 495 ] أن القائل بنفي القافة بين الحرائر قاله مطلقا ، وليس كذلك ، وإنما محل الكلام في متزوجة في عدتها ، وذلك أن الأمة إذا بيعت بعد وطئها بلا استبراء ووطئها المبتاع في ذلك الطهر فأتت بولد فادعياه دعت له القافة ، وإن تزوجت المطلقة قبل حيضه فأتت بولد لحق بالأول لأن الولد للفراش ، والثاني لا فراش له ، هكذا المسألة مفروضة في المدونة وغيرها ، فقد ظهر الفرق بين الحرة والأمة في هذا الفرض فقط ، ومرادهم المتزوجات ولو كن إماء لأنهن لهن فراش حينئذ .

أما في غير هذا الفرض فلا فرق بين الإماء والحرائر ، ومنه فرض المصنف ، وقد قال فيه ابن رشد لا يقام منه القافة في الحرائر لأن ما اعتل به التفرقة وهو قوة فراش أحد الزوجين معدوم في هذه المسألة إذ لا مزية في هذه لأحد الفراشين على الآخر ا هـ ، ثم قال فظهر لك أن اعتراضه على الشارح غير ظاهر ، وأن المعارضة ظاهرة كما قال " ح " وغيره ، وأنهم أرادوا بقولهم لا تكون القافة بين ، الحرائر ما تقدم ولا يفهم أن المراد أن القافة تكون بين الحرائر والإماء فقط كما سبق إلى ذهن كل قاصر أخذا من قوله كغيره ، وإن ولدت زوجة رجل إلخ ، إذ موضوعها في الأمة يطؤها الشريكان كما ذكرت لك عن ابن رشد ، ولا تدخل في الحرة يطؤها الزوجان فمرادهم لا تدخل في الحرائر أي الحرة الواحدة والجمع باعتبار الجنس والمراد كما سبق المتزوجة ولو أمة ما عدا هذا فلا فرق بين الحرائر ، والإماء فتدخل في المرأتين إذا كان لكل واحدة زوج واختلط ولداهما حرتين أو أمتين أو مختلفتين ، وكذا بين الأمتين من غير نكاح كل واحدة بسيدها وبين الحرة الأمة كما هو فرض المصنف ، إذ في هذا كله لا مزية لأحد الفراشين على الآخر وهذا الذي قلناه هو المتحصل من كلام ابن رشد وغيره والله الموفق .




الخدمات العلمية