الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 122 - 123 ] وأخذ مما بيده وإن مستولدته : [ ص: 124 ] كعطيته ، وهل إن منح للدين ؟ أو مطلقا ؟ تأويلان ، [ ص: 125 ] لا غلته ، ورقبته

التالي السابق


( وأخذ ) بضم الهمز وكسر الخاء المعجمة الدين الثابت على المأذون له في التجر سواء حجر عليه أم لا ( مما ) أي المال الذي ( بيده ) أي المأذون من ماله الذي له سلطة عليه ، سواء كان بيده أم لا ، فإن بقي شيء فهو لسيده إن شاء أخذه ، وإن شاء أبقاه بيده إن كان غير مستولدته ، بل ( وإن ) كان ما بيده ( مستولدته ) أي أم ولد المأذون سواء أولدها قبل الإذن أو بعده إن اشتراها من مال التجارة أو ربحه لأنها من ماله ولا شائبة [ ص: 124 ] حرية فيها وإلا لكانت أشرف من سيدها وكمستولدته أصوله وفروعه وحاشيته القريبة ، وإن كانت أم ولده حاملا فلا تباع حتى تلد لأن جنينها لسيده وله بيع من ذكر لغير الدين لكن بإذن سيده لرعي القول بأنها تكون أم ولد إن عتق .

وإن باع بلا إذنه مضى لأن رعي الخلاف إنما هو في الابتداء ولا يباع ولده لأنه لسيده لا له ، وإن بيع فسخ بيعه للاتفاق على عتقه عليه إن عتق وإن كان اشتراها من خراجه وكسبه فلا تباع في دينه لأنها لسيده ، وشمل كلامه من اشترى زوجته حاملا منه أو مع ولد منها وعليه دين لكن تباع فيه مع ولدها وإن حدث الدين بعد شرائها فالولد لسيده ، وتباع بعد ولادتها إذ لا يجوز استثناؤه مع ولدها بعد تقويمهما ليعلم ما يخصها فهو للغرماء وما يخص ولدها فهو للسيد ولو بيعت في الدين ثم ظهرت حاملا فللسيد فسخه على الصحيح لحقه في حملها . وقيل لا يفسخه وشمل الدين دين سيده فيحاصص به الغرماء ولا يحاصصهم بما دفعه له لتجر إلا أن يعامله بعده بسلف أو بيع صحيح .

ابن عرفة : لو باع ولده بغير إذن سيده رد بيعه إذ لا اختلاف في عتقه عليه إذا عتق .

قلت : بل لأنه محض ملك سيده ، وسمع أصبغ ابن القاسم : لا تباع أم ولده لغرمائه وهي حامل ، بل حتى تضع لأن ما في بطنها لسيده ولا يجوز استثناؤه ، فإن لم يكن عليه دين جاز بيعها بإذنه وإن كانت حاملا ، وفي التوضيح إذا قام الغرماء على المأذون وأمته حامل منه فقال اللخمي يؤخر بيعها حتى تضع ، ويكون ولدها للسيد وتباع بولدها بعد تقويم كل واحد بانفراده ليعلم كل ما يبيع به ملكه . وشبه في الأخذ في الدين فقال ( كعطيته ) أي الرقيق المأذون له في التجارة من هبة له أو صدقة عليه أو وصية له فتؤخذ في دينه .

( وهل ) أخذها فيه ( إن ) كان ( منح ) بضم فكسر أي أعطي المأذون الهبة أو الصدقة أو الوصية ( ل ) قضاء ( الدين ) بها فإن لم يمنح له فهي لسيده كخراجه ( أو ) يقضي دينه بها ( مطلقا ) عن التقييد بمنحه للدين ، في الجواب ( تأويلان ) الأول للقابسي ، [ ص: 125 ] والثاني لابن أبي زيد . تت وهما فيما وهب له بعد قيامهم . قال في الشامل واختص سيده بما وهب له قبل قيامهم على الأصح إن ثبت ببينة ، والدين قدر ماله وإلا فلا . طفي لا فرق بين ما وهب له قبل قيامهم وبعده كما هو ظاهر إطلاق الأئمة ولم أر هذا القيد لغيره ولا سلف له فيه ولا معنى له ، وغره كلام الشامل الذي نقله محرفا كما حرفه الزرقاني وغيره وتكلف له معنى يمجه السمع وشرحه مؤلفه على هذا التحريف ، والذي رأيته في نسخة عتيقة من الشامل واختص سيده بما رهنه ; بالراء والنون بعد الهاء وكأنها إصلاح ، وعليها شرح المدني شارح الشامل فقال : أشار بذلك لما في النوادر .

قال مالك رضي الله عنه : إذا باع لعبده المأذون له سلعة ثم أخذ منه رهنا فلحق العبد دين ، فإن كان دين السيد بقدر مال العبد ومبايعته مبايعة مثله فهو أحق بالرهن إذا كانت عليه بينة ، وإن كان على غير ذلك لم يكن أحق به ، وإن كانت له بينة . وقيل لا يكون أحق به وهو أسوة الغرماء ا هـ ، وهذا هو المتعين في كلام الشامل ولا يصح غيره ، وقد قال في المدونة ولا يحاصص السيد غرماء عبده بما دفع إليه من مال فتجر به إلا أن يكون عامله بذلك فأسلفه أو باعه بيعا صحيحا بغير محاباة وإن دفعه إلى السيد رهنا في ذلك كان السيد أحق به ، وإن ابتاع من سيده سلعة بثمن كثير لا يشبه المعتاد مما يعلم أنه توليج لسيده فالغرماء أحق بما في يد العبد إلا أن يبيعه بيعا يشبه البيع فهو يحاصص به الغرماء . ا هـ . فقول الشامل والدين قدر ماله هو قولها بيعا صحيحا وقولها يشبه البيع ، وقوله وإلا فلا هو قولها بثمن كثير لا يشبه الثمن ، وقد نبه " ح " على كلام الشامل وتبع " س " تت .

( لا ) يؤخذ دين المأذون من ( غلته ) أي المأذون الحاصلة بعد الإذن فلا تؤخذ في دينه وتؤخذ فيه غلته التي بيده قبل الإذن لدخولها في المال المأذون في التجربة ضمنا ( و ) لا يؤخذ دين المأذون من ثمن ( رقبته ) أي المأذون لأن ديون الغرماء إنما تعلقت بذمته لا برقبته التي هي ملك سيده ومثل ثمن رقبته أرش جناية عليه . تت وظاهره [ ص: 126 ] سواء استهلكه في التجر تعديا أو لا كان وغدا أو لا ، وفيهما خلاف . طفي هذا الخلاف في الوديعة إذا استهلكها فالمشهور أنها في ذمته ، وحكى يحيى بن عمر عن بعضهم أنه إن استهلكها تعديا فهي في رقبته كالجناية . وقال أشهب إن كان المأذون له وغدا لا يودع مثله لا يتبع .




الخدمات العلمية