الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 398 ] أو أنكر القبض ، فقامت البينة ، فشهدت بينة بالتلف : كالمديان

التالي السابق


( أو ) أي وضمن إن ( أنكر ) الوكيل ( القبض ) لما وكل على قبضه من ثمن أو مثمن أو دين ( فقامت ) أي شهدت ( البينة ) عليه بقبضه فادعى تلفه بلا تعد ولا تفريط ، أو دفعه لموكله ( فشهدت ) له بينة أخرى ( بالتلف ) أو الدفع الذي ادعاه فيضمن ولا تنفعه بينة لتكذيبها بإنكاره القبض ، هذا هو الصحيح المشهور .

وشبه في الضمان بإنكار القبض وشهادة بينة به مع شهادة بينة أخرى بالبراءة بعد ذلك فقال ( كالمديان ) أي المدعى عليه بدين فينكر التداين فتشهد به البينة فيدعي الإقباض وتشهد به بينة أخرى فلا تنفعه لتكذيبها بإنكاره التداين ، ويحكم عليه بدفعه لمن شهدته له البينة الأولى البرزلي مثل ذلك من ادعى عليه بحق فأنكره ثم أقر به وادعى قضاءه هو بمثابة من أنكر حقا فقامت عليه به بينة فادعى قضاءه الخلاف في المسألتين ، سواء ، وما ذكره المصنف هو المشهور . وقيل في هذا الأصل تقبل البينة الثانية . وذكر في التوضيح في باب الوكالة مسائل جزم فيها بأنها لا تسمع ، ثم ذكر في كتاب [ ص: 399 ] الوديعة هذا الأصل ، وذكر فيه خلافا . وذكر عن ابن زرقون أنه قال إن المشهور أنها تنفعه ولكن لم يعتمد تشهيره . وفي التوضيح في باب الوديعة أما من أنكر شيئا يتعلق بالذمة أو أنكر الدعوى في الربع أو فيما يفضي إلى الحد ثم رجع عن إنكاره لأمر ادعاه أقام عليه بينة ففيها أربعة أقوال ، الأول : لابن نافع تقبل منه في جميع الأشياء . الثاني لغير ابن القاسم في كتاب اللعان من المدونة لا يقبل منه ما أتى به في جميع الأشياء . الثالث : لابن المواز تقبل منه في الحد دون غيره . الرابع : تقبل منه في الحد والأصول ، ولا تقبل منه في الحقوق من الديون ، وشبهها من المنقولات ، وهذا قول ابن القاسم في المدونة .

( تنبيهات )

الأول : ابن عرفة الشيخ إن قال ما أودعتني شيئا فلا تسمع بينته ، وإن قال ما لك عندي من هذه الوديعة شيء فتسمع بينته . الحط وهو ظاهر جار في جميع مسائل هذا الباب ، ففي تبصرة ابن فرحون من ادعى على رجل دينا من سلف أو قراض أو وديعة أو بضاعة أو رسالة أو رهن أو عارية أو هبة أو صدقة أو حق من الحقوق فجحد أن يكون عليه شيء من ذلك ، فلما خاف أن تقوم عليه البينة أقر وادعى فيه وجها من الوجوه يريد إسقاط ذلك عن نفسه لم ينفعه ذلك ، وإن قامت له بينة على ما زعم أخيرا لأن جحوده أولا أكذب بينته فلا تسمع ، وإن كانت عدولا .

الثاني : وكذا الحكم إن لم يقر وقامت بذلك بينة فأقام هو بينة على رد السلف أو الوديعة أو القراض أو البضاعة أو الرسالة أو على هلاك ذلك فلا تنفعه لأنه بإنكاره مكذب لذلك كله ، هذا قول الرواة أجمعين . ابن القاسم وأشهب وابن وهب ومطرف وابن الماجشون .

الثالث : إن قال لا سلف لك علي ولا ثمن سلعة ولا لك عندي وديعة ولا قراض ولا بضاعة فلما ثبت ذلك عليه بالبينة أقر به ، وزعم أنه رد الوديعة والسلف وغيرهما مما يدعي به عليه ، أو ادعى هلاكه وأقام بينة على ذلك فها هنا تنفعه البينة لأن قوله ما لك [ ص: 400 ] شيء أراد به في وقتي هذا ، وأما الصورة الأولى فقد قال فيها ما أودعتني أو ما أسلفتني فليس مثل قوله في هذه ما لك علي سلف .

ابن حبيب وهذا مما لم أعلم فيه خلافا عند الرواة إلا أني رأيت في كتاب الأقضية من السماع شيئا يخالف هذا ، وأظن له وجها يصح معناه إن شاء الله تعالى وذلك أنه سئل مالك رضي الله تعالى عنه عن رجل بعث معه رجل بعشرين دينارا يبلغها إلى الجار والجار موضع ، وكتب معه كتابا وأشهد عليه عند دفعه إليه فحمل الكتاب وبلغه إلى من أرسل إليه فلما قرأ مسألة عن الذهب فجحده إياه ، ثم إنه قدم المدينة فسأله الذي أرسل معه الذهب وقال له إني أشهدت عليك فقال له إن كنت دفعت إلي شيئا فقد ضاع ، فقال مالك " رضي الله تعالى عنه " ما أرى عليه إلا يمينا وأرى هذا من مالك " رضي الله تعالى عنه " إنما هو في الجاهل الذي لا يعرف أن الإنكار يضره . وأما العالم الذي يعلم أنه يضره ثم يندم عليه بعد ذلك فلا يعذر من كتاب الرعيني . ا هـ . كلام التبصرة وزاد الرعيني بعده ، ورأيت لابن مزين أنه قبل بينته على القضاء وإن جحده ، وقال ما أسلفني قط شيئا ، أو الأول أصوب إن شاء الله تعالى .

ثم قال الحط فيتحصل مما تقدم جميعه أنه إذا أنكر أصل المعاملة ثم أقر أو قامت البينة وادعى ما يسقط ذلك فلا تسمع دعواه ولا بينته ولو كانت بينته عادلة ، بخلاف ما إذا قال ما لك عندي سلف ولا وديعة ولا قراض ، أو ما لك عندي حق ثم أقر بعد ذلك أو قامت عليه البينة فادعى ما يسقط ذلك فإنه تسمع دعواه وبينته ، وقد صرح بهذا في رسم أسلم من سماع عيسى ، وبه صرح المصنف في باب الأقضية ، فقال وإن أنكر مطلوب المعاملة فالبينة ثم لا تقبل بينته بالقضاء ، بخلاف لا حق لك علي .

الرابع : ينبغي أن يقيد ذلك بما قال الرعيني وهو كون المدعى عليه يعرف أن الإنكار يضره . وأما إن كان ممن يجهل ذلك ولا يفرق بين قوله ما أسلفتني وما أودعتني ، وقوله ما لك عندي سلف ولا وديعة فيعذر بجهله إلا إذا حقق عليه وقرر [ ص: 401 ] عليه وقيل له أنت تنكر هذا أصلا فإذا قامت عليك البينة فلا تسمع بينتك ، فإذا استمر على ذلك فلا تسمع بينته .

الخامس : ينبغي ، أن يقيد ذلك بغير الحدود والأصول ، لأن هذا قول ابن القاسم وابن كنانة كما تقدم ، وأما ما ذكره الرعيني عن ابن مزيف فهو قول ابن نافع والله أعلم .




الخدمات العلمية