الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 170 ] وإن صالح أحد ولدين وارثين ، وإن عن إنكار ، فلصاحبه الدخول : كحق لهما في كتاب ، أو مطلق ; [ ص: 171 ] إلا الطعام ففيه تردد ، [ ص: 172 ] إلا أن يشخص ، ويعذر إليه في الخروج أو الوكالة [ ص: 173 ] فيمتنع ، وإن لم يكن غير المقتضي ، أو يكون بكتابين

التالي السابق


( وإن ) مات من خالط آخر في مال عن ولدين فادعى أحدهما بمال على خليطه فأقر به أو أنكره و ( صالح أحد ولدين ) مثلا ( وارثين ) شخصا كان خليطا لأبيهما في المال فادعيا عليه بمال لأبيهما فصالح أحدهما عن إقرار من المدعى عليه بالمال المدعى به ، بل ( وإن ) صالحه ( عن إنكار ) من المدعى عليه للمال المدعى به ( فلصاحبه ) أي أحد الولدين المصالح وهو الولد الآخر مثلا ( الدخول ) مع المصالح فيما صالح به عن نصيبه من ذهب أو فضة أو عرض وله عدم الدخول معه ومطالبة المقر بحصته كلها من المقر به ، وله تركها ، وله المصالحة عنها ، هذا في حالة الإقرار . وأما في حالة الإنكار ، فإن كانت له بينة أقامها وأخذ حظه أو تركه أو صالح عنه ، وإن لم يكن له بينة فليس له إلا يمين المدعى عليه ، فإن حلف برئ وإن نكل وحلف الوارث أخذ نصيبه أو تركه أو صالح عنه ، وإن نكل فلا شيء له ويرجع المصالح على الغريم بما أخذه منه إن دخل معه أخوه .

تت لا فرق في الوارثين بين كونهما ولدين أو غيرهما ، ولا بين كونهما اثنين أو أكثر ، وقد تبع المصنف المدونة في فرضها في ولدين ، وفي بعض النسخ وليين ، ولذا قال فلصاحبه وفهم منه أنه يخير وهو واضح .

وشبه في التخيير في الدخول فقال ( ك ) دخول أحد الشريكين فيما صالح به شريكه عن ، نصيبه من ( حق لهما ) من إرث أو غيره مكتوب ( في كتاب ) واحد ( أو مطلق ) عن الكتابة ، زاد في المدونة إلا أنه من ثمن شيء كان بينهما فباعاه صفقة بمال أو بعرض يكال أو يوزن من غير الطعام والإدام أو من شيء أقرضاه من عين أو عرض أو [ ص: 171 ] طعام أو غيره مما يكال أو يوزن ، أو ورثا هذا الذكر الحق ، فإن ما اقتضاه منه أحدهما يدخل فيه الآخر ، وكذا إن كانوا جماعة فإنه يدخل فيه بقية أشراكه ا هـ .

الشارح فلا بد من تقييد قوله مطلق بما زاد في المدونة لأنه إذا لم يكن من شيء بينهما وليس في كتاب واحد فلا دخول لأحدهما على الآخر فيما اقتضى لأن دين كل واحد منهما مستقل لم يجامع الآخر بوجه . ابن يونس إذا دخل شريكه معه فيما اقتضاه كان ما بقي على الغريم بينهما ، انظر " ق " لكن هذا خلاف قوله الآتي ويرجع بخمسة وأربعين ، ويوافق ما تقدم قريبا عن ابن عبد السلام بعضهم ما قاله ابن يونس خلاف الظاهر للزوم الصلح ، وقد تقدم ، وعلى بعضه هبة ورد بأن الصلح لازم ولما شاركه رب الدين الآخر فيما اقتضى شاركه هو في حصته قاله المسناوي ، قلت الظاهر الوسط والله أعلم .

( إلا الطعام ففيه تردد ) الحط ظاهر كلامه أنه إذا صالح أحد الشريكين فللآخر الدخول معه إلا الطعام ، ففي دخوله معه تردد وليس هذا هو المراد ، بل مراده أن ينبه على أنه في المدونة استثنى الطعام لما تكلم على هذه المسألة فتردد المتأخرون في وجه استثنائه فقال ابن أبي زمنين أنه مستثنى من آخر المسألة ، وخالفه عبد الحق ، ويتبين ذلك بجلب كلامها وكلامهما قال فيها وإذا كان بين رجلين خلطة فمات أحدهما وترك ولدين فادعى أحد الولدين أن لأبيه قبل خليطه مالا فأقر له أو أنكر فصالحه عن حظه من ذلك بدنانير أو دراهم أو عرض جاز ولأخيه أن يدخل معه فيما أخذ ، وكل ذكر حقا لهما بكتاب أو بغير كتاب ، إلا أنه من شيء كان بينهما فباعاه في صفقة بمال أو عرض أو بمال يكال أو يوزن غير الطعام والإدام أو من شيء أقرضاه من عين أو طعام أو غيره مما يكال أو يوزن أو ورثا هذا لذكر الحق ، فإن ما قبض منه أحدهما يدخل فيه الآخر ، وكذلك إن كانوا جماعة فإنه يدخل فيه بقية أشراكه إلا أن يشخص المقتضى بعد الأعذار إلى أشراكه في الخروج معه أو الوكالة له فامتنعوا ، فإن أشهد عليهم فلا يدخلون فيما اقتضى لأنه لو رفعهم إلى الإمام لأمرهم بالخروج أو التوكيل ، فإن فعلوا وإلا [ ص: 172 ] خلى بينه وبين اقتضاء حقه ثم لا يدخل أحد عليه منهم فيما اقتضى ا هـ .

ابن أبي زمنين وغيره إنما استثنى الطعام هنا من قوله إلا أن يشخص المقتضى بعد الإعذار إلى أشراكه في الخروج معه أو الوكالة فامتنعوا ، فإن أشهد عليهم فلا يدخلون فيما اقتضى . قال فإذا كان الذي على الغريم طعاما من بيع فلا يجوز لأحدهما أن يأذن لصاحبه في الخروج لاقتضاء حقه خاصة لأن إذنه في الخروج مقاسمة له في الطعام والمقاسمة فيه كبيعه قبل استيفائه ، فلذلك قال في صدرها غير الطعام والإدام .

وقال عبد الحق يحتمل عندي استثناؤه الإدام والطعام إنما هو لما ذكر من بيع أحدهما نصيبه أو صلحه منه لأنه إذا كان الذي لهما طعاما أو إداما فلا يجوز لأحدهما بيع نصيبه أو مصالحته منه ، لأن ذلك بيع الطعام قبل قبضه ، هذا هو الذي يشبه أنه أراده والله أعلم . طفي عياض في تنبيهاته إنما استثنى هنا الطعام من بيع لأن إذنه له في الخروج لاقتضاء نصيبه مقاسمة والمقاسمة فيه كبيعه قبل قبضه ، قاله ابن أبي زمنين وغيره ، وفي قسمة الأسدية لمالك رضي الله تعالى عنه خلاف ، هذا وهو أصل متنازع فيه هل القسمة بيع أو تمييز حق ، وحمله أبو عمران وغيره على أنه راجع إلى مآل المسألة من بيع أحدهما نصيبه عن غريمه ومصالحته إياه عنه كما ذكر ذلك بآخر الكتاب ، وكرره بلفظه فقال من غير الطعام والإدام فصالح من ذلك على دنانير ، فهذا يبين أنه مراده وأن ذلك بيع الطعام قبل استيفائه . ا هـ . ثم قال طفي فصدق قول من قاله إلا الطعام ، ففي وجه استثنائه تردد وأشار بالتردد لقول ابن أبي زمنين وأبي عمران أو عبد الحق والأليق تأويلان .

واستثنى من قوله فلصاحبه الدخول معه فقال ( إلا أن يشخص ) بفتح التحتية والخاء المعجمة ، أي يخرج بشخصه وذاته ، أي يسافر للمدين القابض منه ( ويعذر ) بضم التحتية وسكون العين المهملة وكسر الذال المعجمة ، أي يقطع العذر الشاخص ( إليه ) أي صاحبه المشارك له في الدين بأن يرفعه للحاكم أو يشهد عليه بينة ( في ) طلب ( الخروج ) معه إلى المدين لاقتضاء دينهما منه ( أو الوكالة ) أي توكيل القاعد الخارج أو [ ص: 173 ] غيره على اقتضاء نصيبه من الدين ( فيمتنع ) القاعد من الخرج والتوكيل فلا يدخل القاعد فيما قبضه الخارج من المدين لأن امتناعه منهما دليل على رضاه بعدم دخوله معه فيه وإتباعه ذمة المدين بنصيبه من الدين إن كان عند المدين مال غير ما اقتضاه الخارج منه ، بل ( وإن لم يكن ) عند المدين مال ( غير ) المال ( المقتضى ) بفتح الضاد المعجمة أي الذي اقتضاه الخارج من المدين .

تت فهم من قوله يشخص أنه لو كان المدين حاضرا واقتضى أحدهما منه شيئا لدخل معه الآخر إن شاء ، ومن قوله يعذر إليه أنه لو خرج له بدون إعذار لدخل معه وهو كذلك في المسألتين ونحوه في المدونة . وقال عج المدار على الأعذار وإن لم يكن سفر .

طفي عبارة المدونة كعبارة المصنف فقال أبو الحسن فصل في الغائب وسكت عن الحاضر وهو مثله في الإعذار وعدمه .

( أو ) إلا أن ( يكون ) الدين المشترك مكتوبا ( بكتابين ) نصيب أحدهما بكتاب ونصيب الآخر بكتاب آخر فلا يدخل أحدهما فيما يقتضيه الآخر من مدينهما لأن تعدد الكتاب كالقسمة . قال في المدونة والحق إذا كان بكتابين كان لكل واحد ما اقتضى ولا يدخل عليه فيه شريكه ، وإن كان من شيء أصله مشترك بينهما أو باعاه في صفقة




الخدمات العلمية