الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وبالطلب ، وإن في قصاص كأنا حميل بطلبه ، أو اشترط نفي المال ، أو قال لا أضمن إلا وجهه ، [ ص: 244 ] وطلبه بما يقوى عليه ، وحلف ما قصر ، وغرم إن فرط أو هربه ، وعوقب ، [ ص: 245 ] وحمل في مطلق : أنا حميل ، وزعيم ، وأذين ، وقبيل ، وعندي وإلي وشبهه على المال على الأرجح والأظهر

التالي السابق


( و ) صح الضمان ( بالطلب ) أي التفتيش على المضمون وإعلام المضمون له بمحله عند حلول الأجل إن كان في مال ، بل ( وإن ) كان ( في ) شأن ( قصاص ) من نفسها أو دونها إذ لا يلزم ضامن الطلب إلا طلب المضمون بما يقوى عليه . ابن عرفة حمالة الطلب لا توجب غرم مال ، وأشار لصيغته بقوله ( ك ) قول الضامن ( أنا حميل بطلبه ) أي المضمون أو على طلبه أو لا أضمن إلا طلبه أو على إحضاره أو التزمت بإحضاره أو أنا مطالب بطلبه ( أو اشترط ) الضامن ( ففي ) أي عدم ضمان ( المال ) بالتصريح بأن قال أضمن وجهه لا المال الذي عليه ( أو قال ) الضامن ( لا أضمن إلا وجهه ) أي المضمون قاله ابن المواز .

ابن عرفة وصيغتها حميل بطلبه ومرادفه ، ومثله قولها أنا حميل الوجه أطلبه ، فإن لم [ ص: 244 ] أجده برئت من المال . وفي المقدمات عن ابن المواز قائل لا أضمن إلا وجهه لا يلزمه . ابن رشد فيه نظر إذ لا فرق بين أنا ضامن لوجهه ولا أضمن إلا وجهه في ضمان الوجه عليه ومن ضمن الوجه ضمن المال كما لا فرق بين أسلفني فلان ألف درهم وما أسلفني إلا ألف درهم ، وإنما يصح قوله إذا كان لكلامه بساط يدل على إسقاط المال مثل أن يقال تحمل لنا بوجه فلان ، فإن جئت به برئت من المال فيقول لا أضمن لكم إلا وجهه وشبيه ذلك ا هـ .

( وطلبه ) أي ضامن الطلب المضمون وجوبا ( بما ) أي شيء أو الشيء الذي ( يقوى ) بفتح التحتية والواو وسكون القاف ، أي يقدر ضامن الطلب ( عليه ) عند ابن القاسم سواء علم موضعه أو جهله في البلد وقربه . وقيل على مسافة يومين . وقيل وإن بعد ما لم يتفاحش ، وقيل على مسافة نحو شهر هذا على نقل اللخمي ، وعزا ابن رشد للمدونة وغيرها أنه ليس عليه طلبه إن بعد أو جهل موضعه ( وحلف ) حميل الطلب إذا ادعى أنه لم يجد مضمونه وكذبه الطالب وصيغة يمينه أنه ( ما قصر ) بفتحات مثقلا في الطلب ولا دلس وأنه لم يعلم له محلا .

( وغرم ) بفتح فكسر حميل الطلب المال الذي على مضمونه ( إن فرط ) بفتحات مثقلا حميل الطلب في مضمونه بعد حلول الأجل حتى هرب ولم يعلم موضعه ( أو هربه ) بفتحات مثقلا ، أي أمر الحميل المضمون بهروبه من الطالب فهرب ولم يعلم محله ( وعوقب ) بضم العين وكسر القاف أي يؤدب حميل الطلب الذي فرط أو هرب بما يرى السلطان باجتهاده من حبس أو ضرب . الحط ظاهر كلام المصنف جمع التغريم والعقوبة ، والذي في الرواية أنه يحبس إذا فرط في الطلب حتى يجتهد فيه . وأما إذا ثبت تفريطه فيه بأن لقيه وتركه أو غيبه وهربه فإنه يغرم المال فقط ولم يذكر في هذا عقوبة .

عج إذا كان المضمون فيه قصاصا فالظاهر أنه إذا وجب عليه الغرم بتفريطه يضمن [ ص: 245 ] دية عمد ، ولكن مفاد ابن عرفة أنه لا غرم عليه ، وينبغي أن يعاقب ا هـ . البناني هذا قصور ، فإن ابن رشد إنما قال في ضمان الطلب في القصاص أن الضامن يلزمه طلب المكفول ، قال وقال عثمان البتي إذا تكفل بنفس في قصاص أو جراح فإنه إن لم يجئ به لزمته الدية وأرش الجراحة ، وكانت له في مال الجاني إذ لا قصاص على الكفيل . ا هـ . فأنت تراه إنما عزا لزوم الدية لعثمان البتي وهو خارج عن المذهب . وفي التنبيهات لا شيء عليه إن لم يأت به إلا عثمان البتي فألزمه دية النفس في القتل وأرش الجراحات ولأصبغ في الفاسق المتعسف على الناس بالقتل وأخذ المال فيؤخذ ويعطى حميلا بما عليه من قتل ، وأخذ مال فإنه يؤخذ الحميل بما يؤخذ به الفاسق إلا أنه لا يقتل .

فضل بن مسلمة هل أراد يؤخذ بالمال خاصة أو به وبالدية في القتل . عياض وهو على التأويل الثاني موافق لعثمان البتي ا هـ . تت تكميل بقي نوع من الضمان لم يذكره المصنف هنا وذكره في المدونة وسماه ضمان الدرك ، فقال ومن تكفل لرجل بما أدركه من درك في جارية ابتاعها من رجل أو دار أو غيرهما جاز ذلك ولزمه الثمن حين الدرك في غيبة البائع وعدمه ، وأطال في ذلك فانظره .

( وحمل ) بضم الحاء المهملة وكسر الميم الضمان ( في مطلق ) بضم فسكون ففتح قول الضامن أي عن التقييد بالمال والوجه والطلب ( أنا حميل أو ) أنا ( زعيم أو ) أنا ( أذين ) بفتح أولها وكسر ثانيها وإعجام الذال ( و ) أنا ( قبيل ) كذلك ( وعندي وإلي ) بشد الياء ( وشبهه ) أي ما ذكر من الصيغ . كعلي بشد الياء وصبير وكوين بالنون من كنت له بكذا ، وكفيل وضامن وغرير بمعجمة فراءين مهملين بينهما تحتية . عياض وكلها من الحفظ والحياطة ، وصلة حمل ( على ) ضمان ( المال على الأرجح ) عند ابن يونس لقوله هو الصواب ( و ) على ( الأظهر ) عند ابن رشد لقوله هو الأصح .

ابن عرفة الصيغة ما دل على الحقيقة عرفا فيها من قال أنا حميل بفلان أو زعيم أو [ ص: 246 ] كفيل أو ضامن أو قبيل أو هو لك عندي أو علي أو إلي أو قبلي فهي حمالة لازمة إن أراد الوجه ، وإن أراد المال لزمه . عياض ومثلها قبيل وأذين وعوين وصبير وكوين ، وفي حمل لفظها المبهم العري عن بيان لفظ أو قرينة على المال أو النفس نقلا عياض عن شيوخنا . ابن رشد الأصح الأول لقوله صلى الله عليه وسلم { الحميل غارم } . واحترز بقوله مطلق عما لو قيد بالمال أو الوجه أو الطلب فيلزمه ما قيد به بلفظ أو قرينة . في التوضيح ينبغي أن يعتمد هنا على الألفاظ التي يستعملها أهل العرف في الضمان ا هـ .

وتلخص من منطوق كلامه ومفهومه ثلاثة أحوال الأول : عرو الصيغة عن التقييد بالمال والوجه لفظا ونية ، وهذا محل الخلاف والترجيح . والثاني . تقييدها بأحدهما لفظا ولا خلاف في اعتبار ما قيد به . والثالث : تقييدها نية ولا خلاف في اعتباره أيضا كما في نصها السابق وإن أوهم كلام المصنف أنه من محل الخلاف ، وقد تعقب البساطي المصنف بهذا والله أعلم




الخدمات العلمية