الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 402 ] وصدق في الرد : [ ص: 403 ] كالمودع ، [ ص: 404 ] فلا يؤخر للإشهاد

التالي السابق


( وصدق ) بضم فكسر مثقلا الوكيل بيمينه ( في ) دعوى ( الرد ) أي دفع ثمن ما وكل على بيعه أو مثمون ما وكل على الشراء أو ما وكل على قبضه من مدين أو مودع بالفتح أو مرتهن أو واهب أو متصدق لموكله قصر الزمان أو طال مفوضا كان أو لا . ابن عرفة وفيها والوكيل على بيع مصدق في دفع ثمنه للآمر . ابن المواز مالك رضي الله تعالى عنه المبضع معه في شراء سلعة فلما قدم طولب بها فقال قد رددت إليك بضاعتك قبل أن أخرج فهو مصدق إلا أن يكون قبضها ببينة فلا يبرأ إلا ببينة ، ولا يصدق أحد بدعواه الدفع إلى المرسل إليه إلا ببينة ويصدق في الرد إلى الباعث بلا بينة ، لأن الله تعالى أمر الأوصياء بالإشهاد بالدفع إلى غير اليد التي أعطتهم وهم الأيتام ، ولم يأمر بالإشهاد على الرد إلى اليد التي أعطتك لقوله تعالى { فليؤد الذي اؤتمن أمانته } .

ابن يونس ابن القاسم في العتبية وغيرها في الوكيل المفوض إليه أو المخصوص أو الزوج يوكلون على قبض حق فيدعون أنهم قبضوه ودفعوه إلى من وكلهم أنهم مصدقون في ذلك كلهم مع أيمانهم كالمودع ، يقول رددت الوديعة وينكره ربها وقاله ابن الماجشون وابن عبد الحكم خلافا لمطرف وابن حبيب . [ ص: 403 ] وشبه في التصديق فقال ( كالمودع ) بفتح الدال يدعي رد الوديعة لمودعها وينكره المودع فيصدق المودع بالفتح بيمين إلا أن يقبض الوديعة ببينة للتوثق فلا يصدق في الرد إلا ببينة . الحط قوله وصدق في الرد أي مع يمينه وسواء كان بقرب ذلك بالأيام اليسيرة أو طال ، وسواء كان مفوضا إليه أم لا . هذا قول مالك رضي الله تعالى عنه ومذهب المدونة وفي المسألة أربعة أقوال . ابن رشد اختلف في الوكيل يدعي أنه دفع إلى موكله ما قبضه من غرمائه أو ما باع به متاعه على أربعة أقوال : أحدها القول قوله بيمينه جملة بلا تفصيل . والثاني : أنه إن كان بقرب ذلك بالأيام اليسيرة فالقول قول الموكل أنه ما قبض شيئا ، وعلى الوكيل البينة وإن تباعد الأمر كالشهر فالقول قول الوكيل بيمينه ، وإن طال الأمر جدا فلا بينة على الوكيل وهو قول مطرف .

والثالث : إن كان بحضرة ذلك بالأيام اليسيرة صدق الوكيل بيمينه وإن طال الأمر جدا صدق بدون يمين ، وهو قول ابن الماجشون وابن عبد الحكم .

والرابع : تفرقة أصبغ بين الوكيل على شيء بعينه فعليه البينة وإن طال الأمر والمفوض يصدق في القرب بيمينه ، وفي البعد بدونها وعلى هذا فلو قال المصنف والقول قوله لكان أحسن لأن لفظ صدق إنما يستعمل فيما يصدق فيه بلا يمين .

( تنبيهات )

الأول : عبد الوهاب صدق الوكيل والمودع والمرسل بالفتح فيهما لأن أرباب الأموال قد ائتمنوهم فكان قولهم مقبولا فيما بينهم وبينهم وكذا عامل القراض مؤتمن بالفتح في رد القراض ما بينه وبين المالك إلا أن يكون الواحد منهم أخذ المال ببينة للتوثق فلا يبرئه دعوى رده ، إلا أن تكون له بينة لأن رب المال لم يأتمنه حين استوثق عليه بالبينة .

الثاني : قوله كالمودع أشار به والله أعلم إلى أن الوكيل إنما يصدق في رد ما وكل عليه [ ص: 404 ] لربه إذا قبضه بغير إشهاد ، وأما ما قبضه بإشهاد فلا يصدق في رده .

الثالث : ظهر من كلام ابن رشد المتقدم أنه لا بد من اليمين طال الزمان أم لا والظاهر من كلام ابن عرفة سقوطها بطوله .

الرابع : يصدق الوكيل في الرد إلى موكله ولو ادعاه بعد موت موكله كما يفهم من كلام ابن رشد وصرح به البرزلي ، وهذا ظاهر ، ونبهت عليه لتوقف بعض أهل العصر فيه حتى أطلعته على النص .

الخامس : ابن ناجي يقوم من قول المدونة ومن ذبح أضحيتك بغير أمرك من ولدك أو بعض عيالك ليكفيك مؤنتها ، فذلك مجز أنه إذا كان ربع بين أخ وأخته ، وتولى الأخ عقد كرائه وقبضه سنين متطاولة ثم طالبته أخته بمنابها من الكراء في جميع المدة المذكورة ، وزعمت أنها لم تقبض شيئا منه وادعى دفعه لها ، فإنه يقبل قوله بيمينه ، إذ هو وكيلها بالعادة ووقعت بمدينة المهدية وأفتى فيها ابن عرفة بما ذكرناه بلا دليل ، وتأخر الحكم بينهما حتى مات ابن عرفة فأفتى فيها أبو مهدي بعكسها ، وجيء للقاضي بالفتويين فتوقف حتى وصل تونس ، فتأول أبو مهدي ما أفتى به ابن عرفة فكتب تحته رأى رحمه الله تعالى أنه وكيل بالعادة فقبل قوله وبه أقول ، وقطع ما أفتى به وأمره أن يحكم بما أفتى به ابن عرفة وقال ما خالفته في حياته فلا أخالفه بعد موته والله أعلم .

وحيث كان الوكيل والمودع بالفتح مصدقين في دعوى الرد وطلب أحدهما برد ما بيده للموكل أو المودع بالكسر ( فلا يؤخر ) أي الوكيل والمودع بالفتح رده إليه ( للإشهاد ) عليه أي ليس له أن يقول لا أرد حتى أشهد عليه ، إذ لا نفع له فيه . ابن عبد السلام وابن هارون والمصنف لو قيل لهما تأخير الدفع حتى يشهدا لكان حسنا لأنهما يقولان لو لم نشهد لتوجهت علينا اليمين قلنا التأخير لنسقطها . البناني تبع ابن الحاجب وابن شاس ابن هارون وفيه نظر .

ابن عبد السلام ينبغي أن يكون للوكيل أو المودع مقال في وقف الدفع على البينة وإن [ ص: 405 ] كان القول قولهما لأن البينة تسقط اليمين عنهما . ابن عرفة ما ذكره ابن شاس هو نص الغزالي ، ولا يجوز أن ينقل عن المذهب ما هو نص لغير المذهب لا سيما وأصول المذهب تقتضي خلافه حسبما أشار إليه المازري وشارحا ابن الحاجب .




الخدمات العلمية