الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
ذكر إسلام الجن

وأقبل وفد الجن يستمعون القرآن ثم ولوا إلى قومهم منذرين. ثم أتته الجماعة منهم فآمنوا به وصدقوه.

قال: حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد ، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن بكر ، قال: حدثنا أبو داود ، قال: حدثنا أحمد بن صالح، قال: حدثنا عنبسة، قال: حدثنا يونس، عن ابن شهاب ، قال: أخبرني أبو عثمان بن سنة الخزاعي، وكان من أهل الشام أن ابن مسعود قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه، وهو بمكة : "من أحب منكم أن يحضر الليلة أمر الجن فليفعل، فلم يحضر، أحد غيري، فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة خط لي برجله خطا، ثم أمرني أن أجلس فيه، ثم انطلق حتى قام، فافتتح القرآن، فغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه، حتى ما أسمع صوته. ثم طفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين حتى بقي منهم رهط. وفرغ النبي صلى الله عليه وسلم منهم مع الفجر. فانطلق، فتبرز ثم أتاني، فقال: ما فعل الرهط؟ قلت: هم أولئك يا رسول الله. فأخذ عظما وروثا فأعطاهم إياه. ثم نهى أن يستطيب أحد بعظم أو روث.


قال أبو داود : حدثنا محمد بن عبد الملك ، قال: حدثنا يزيد، قال: أخبرنا [ ص: 60 ] شريك ، عن أبي قرادة، عن أبي زيد، قال: أنبأنا عبد الله بن مسعود ، قال:

قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أمرت أن أقرأ على إخوانكم من الجن، فليقم معي رجل ليس في قلبه مثقال حبة خردل من غش، قال: فقمت ومعي إداوة، وفيها نبيذ قال: فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضيت، حتى انتهينا إلى حيث أمره الله، فخط علي خطة، ثم قال: إن خرجت منها لم ترني ولم أرك. قال: ومضى حتى توارى عني. فلما طلع الفجر جاء فوجدني قائما، فقال: ما شأنك قائما؟ قلت: خشيت أن لا تراني ولا أراك أبدا. قال: ما ضرك لو قعدت. وقال: ما هذا معك؟ قلت: نبيذ. قال: هات، ثمرة طيبة وماء طهور، فتوضأ ثم قام يصلي، وقمت معه وخلفه رجلان من الجن. فلما قضى الصلاة أقبلا عليه يسألانه. فقال: ما شأنكما؟ ألم أقض لكما ولقومكما حوائجكم؟ قالا: يا رسول الله أردنا أن يشهد معك الصلاة بعضنا، فقال: فمن أنتما؟ قالا: من أهل نصيبين، قال: أفلح هذان وأفلح قومهما. ثم سألا المباح، فقال: العظم مباح لكم، والروث علف لدوابكم. قال عبد الله بن مسعود : وإنهما ليجدانهما أعظم ما كان وأطراه.


قال أبو عمر رضي الله عنه:

هذا الخبر عن ابن مسعود متواتر من طرق شتى حسان كلها إلا حديث أبي زيد عن ابن مسعود الذي فيه ذكر الوضوء بالنبيذ، فإن أبا زيد مجهول لا يعرف في أصحاب ابن مسعود ويكفي من ذكر الجن ما في سورة الرحمن وسورة ( قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن ) وما جاء في الأحقاف: قوله ( وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن ) - الآيات. وفي خبر علقمة عن ابن مسعود أنه قال: وددت أن أكون معه ليلة [ ص: 61 ] الجن. و [ في ] قول علقمة : وددت أن صاحبنا معه ليلتئذ ما يدفع الأخبار الواردة بذلك، لأن المعنى أنه لم يكن معه، وما زال عن الخط الذي خط له.

التالي السابق


الخدمات العلمية