الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
غزوة [ بني ] النضير

وكان سبب غزوة بني النضير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال لعمرو بن أمية: لقد قتلت قتيلين لأدينهما خرج إلى بني النضير مستعينا بهم في دية ذينك القتيلين. فلما كلمهم قالوا: نعم يا أبا القاسم اجلس حتى تطعم وترجع بحاجتك فنقوم ونتشاور ونصلح أمرنا فيما جئتنا له. فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر وعمر وعلي ونفر من الأنصار إلى جدار من جدرهم.

فاجتمع بنو النضير، وقالوا: من رجل يصعد على ظهر البيت فيلقي على محمد صخرة فيقتله، فيريحنا منه؟ فإنا لن نجده أقرب منه الآن. فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب فأوحى الله عز وجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ائتمروا به من ذلك، فقام ولم يشعر أحدا ممن معه [ ص: 165 ] .

ونهض إلى المدينة ، فلما استبطأه أصحابه، وراث عليهم خبره أقبل رجل من المدينة ، فسألوه، فقال: لقيته وقد دخل أزقة المدينة . وقالت اليهود لأصحابه: لقد عجل أبو القاسم قبل أن نقيم له حاجته. فقام أصحابه ولحقوه بالمدينة . فأخبرهم بما أوحى الله عز وجل إليه مما أرادت اليهود فعله به.

وأمر صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتهيؤ لقتالهم وحربهم. وخرج إليهم، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم، وذلك في ربيع الأول أول السنة الرابعة من الهجرة. فتحصنوا منه في الحصون، فحاصرهم ست ليال، وأمر بقطع النخل وإحراقها، وحينئذ نزل تحريم الخمر.

ودس عبد الله بن أبي بن سلول ومن معه من المنافقين إلى بني النضير: إنا معكم، وإن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن أخرجتم خرجنا معكم. فاغتروا بذلك. فلما جاءت الحقيقة خذلوهم وأسلموهم، فألقوا بأيديهم، وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكف عن دمائهم ويجليهم على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا السلاح. فاحتملوا كذلك إلى خيبر ، ومنهم من سار إلى الشام . وكان ممن سار منهم إلى خيبر أكابرهم حيي بن أخطب، وسلام بن أبي الحقيق، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق. فدانت لهم خيبر .

وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أموال بني النضير بين المهاجرين خاصة، إلا أنه أعطى منها أبا دجانة سماك بن خرشة، وسهل بن حنيف وكانا فقيرين. وإنما قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 166 ] بين المهاجرين لأنهم إذ قدموا المدينة شاطرتهم الأنصار ثمارهم، وعلى ذلك بايعوا ليلة العقبة على نصرته ومواساة أصحابه. فرد المهاجرون على الأنصار ثمارهم.

ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان: يامين بن عمير بن كعب بن عمرو بن جحاش، وأبو سعيد بن وهب، أسلما فأحرزا أموالهما. وذكر أن يامين بن عمير جعل جعلا لمن قتل ابن عمه عمرو بن جحاش لما هم به في رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ونزلت سورة الحشر في بني النضير، قال عز وجل: ( هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ) إلى قوله: ( لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم ) إلى قوله: ( وذلك جزاء الظالمين )
فكان إجلاء بني النضير أول الحشر في الدنيا إلى الشام ، ولذلك قيل الشام أرض الحشر.

التالي السابق


الخدمات العلمية