الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
وأقام علي بمكة رضي الله عنه بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أدى ودائع كانت عنده صلى الله عليه وسلم أمره بأدائها إلى أهلها ثم يلحق به، ففعل علي ذلك، ثم لحق بالمدينة ، فنزل مع النبي صلى الله عليه وسلم بقباء. فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما، وأسس مسجدها وهو [ ص: 86 ] أول مسجد أسس على التقوى

ثم خرج منها راكبا ناقته، متوجها حيث أمره الله، فأدركته الجمعة في بني سالم [ بن عوف ] فصلاها في بطن الوادي، فخرج إليه رجال من بني سالم، منهم العباس بن عبادة وعتبان بن مالك ، فسألوه أن ينزل عندهم ويقيم، فقال: خلوا الناقة فإنها مأمورة. ونهض الأنصار حوله حتى أتى [ دور ] بني بياضة، فتلقاه زياد بن لبيد وفروة بن عمرو في رجال منهم فدعوه إلى النزول والبقاء عندهم، فقال عليه السلام: دعوا الناقة فإنها مأمورة. ومضى حتى أتى [ دور ] بني ساعدة، فتلقاه سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو ورجال من بني ساعدة، فدعوه إلى النزول والبقاء عندهم، فقال صلى الله عليه وسلم: دعوا الناقة فإنها مأمورة. ومضى حتى أتى دور بني الحارث بن الخزرج، فتلقاه سعد بن الربيع وخارجة بن زيد وعبد الله بن رواحة، فدعوه صلى الله عليه وسلم إلى البقاء عندهم، فقال: دعوا الناقة فإنها مأمورة. ومضى صلى الله عليه وسلم حتى أتى دور [ بني ] عدي بن النجار وهم أخوال عبد المطلب، فتلقاه سليط بن قيس وأبو سليط يسيرة بن أبي خارجة ورجال من بني عدي بن النجار، فدعوه إلى النزول عندهم والبقاء، فقال: دعوها إنها مأمورة.

ومضى صلى الله عليه وسلم حتى أتى دور بني مالك بن النجار، فبركت الناقة في موضع مسجده صلى الله عليه وسلم، وهو يومئذ مربد تمر لغلامين يتيمين من بني مالك بن النجار وهما: سهل وسهيل، وكانا في حجر معاذ بن عفراء، وكان فيه وحواليه نخل وخرب وقبور للمشركين، فبركت الناقة، فبقي عليه السلام على ظهرها لم ينزل، فقامت ومشت قليلا [ ص: 87 ] وهو لا يهيجها ثم التفتت [ خلفها ] فكرت إلى مكانها وبركت فيه واستقرت، فنزل عنها صلى الله عليه [ وسلم ].

وقد قيل إن جبار بن صخر من بني سلمة، وكان من صالحي المسلمين، جعل ينخسها منافسة على بني النجار في نزول رسول الله صلى الله عليه وسلم عندهم، فانتهره أبو أيوب على ذلك وأوعده. فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ناقته أخذ أبو أيوب رحله، فحمله إلى داره. ونزل صلى الله عليه وسلم دار أبي أيوب في بيت منها: عليته مسكن أبي أيوب . وكان أبو أيوب قد أراد أن ينزل له عن ذلك المسكن ويسكنه فيه، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما كان بعد أيام سقط شيء من ماء أو غبار على رسول الله في ذلك البيت، فنزل أبو أيوب وأقسم على رسول الله وأبدى الرغبة له ليطلعن إلى منزله ويهبط أبو أيوب عنه. ففعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ساكنا عند أبي أيوب حتى بنى مسجده، وحجره ومنازل أزواجه. ثم انتقل عنه إلى ما بنى في ذلك المربد. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سأل عنه فقيل هو لغلامين، فأراد شراءه، فأبت بنو النجار من بيعه، وبذلوه لله، وعاوضوا اليتيمين بما هو أفضل. وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبى أن يأخذه إلا بثمن، والله أعلم [ ص: 88 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية