الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
[ ذكر بعض ما لقي الرسول وأصحابه من أذى قومه وصبرهم على ذلك ]

ولما أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء إلى الله تعالى نابذته قريش، ورموه بالبهتان، وجاهروا في عداوته، وأظهروا البغضاء له، وآذوه. وآذو من اتبعه، بكل ما أمكنهم من الأذى. فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجاره عمه أبو طالب ، ومنع منه. وكذلك أجار أبا بكر قومه، ثم أسلموه فأجاره ابن الدغنة. وأجار العاصي بن وائل عمر بن الخطاب .

أخبرنا عبد الله بن محمد ، قال: حدثنا محمد بن بكر ، قال: حدثنا أبو داود ، قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى ، قالا: حدثنا يحيى بن أبي بكير ، قال: حدثنا زائدة بن قدامة، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله، قال: كان أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد. فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه أبي طالب ، وأما أبو بكر فمنعه الله [ ص: 42 ] بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدراع الحديد وصهروهم في الشمس، فما منهم إلا من واتاهم فيما أرادوا وأوهمهم بذلك إلا بلال، فإنه هانت عليه نفسه في الله عز وجل، وهان على قومه فأخذوه، وأعطوه الولدان، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة ، وهو يقول: أحد، أحد.

وعن مجاهد مثله سواء، وزاد في قصة بلال: وجعلوا في عنقه حبلا، ودفعوه إلى الصبيان يلعبون به، حتى أثر الحبل في عنقه، ثم ملوه فتركوه. قال ابن عبد البر: وقد ذكرنا خبره بأكثر من هذا في بابه من كتاب الصحابة. ولم يذكر ابن مسعود ولا مجاهد في هذا الخبر خديجة ولا عليا، وهما أول من أسلم عند أكثر أهل العلم، لأنهما كانا في بيت رسول الله، ومن كان في بيته كان في جوار عمه. ومع ذلك فإنه لم يظهر إلى قريش منهما ذلك، فلم يؤذيا. وهؤلاء السبعة ظهر منهم ذلك، فلقوا الأذى الشديد من قومهم. فقصد بهذا الحديث إلى الخبر عنهم.

حدثنا عبد الله، قال: حدثنا محمد، قال: حدثنا سليمان ، قال: حدثنا عمرو بن عثمان ومحمود بن خالد وحسين بن عبد الرحمن، قالوا: حدثنا الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن عروة بن الزبير ، قال:

سألت عبد الله بن عمرو بن العاص ، قلت: أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون [ ص: 43 ] برسول الله، قال: نعم، بينما رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط ، فوضع ثوبه في عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخنقه به خنقا شديدا. قال: فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبيه، ودفعه عن رسول الله، وقال: ( أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم ) .

ورواه بشر بن بكر [ أيضا ] عن الأوزاعي بإسناده مثله. وروى بشر بن بكر، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، قال: قلت: لعبد الله بن عمرو بن العاص: أخبرني بأشد شيء، فذكر مثله. وعند عمر بن عبد الواحد، عن الأوزاعي عن هذا الإسناد أيضا في هذا الخبر، وعن إسماعيل بن سماعة أيضا مثله، عن الأوزاعي بهذا الإسناد في هذا الخبر. وعند الوليد بن مزيد، عن الأوزاعي في هذا الخبر الإسناد الأول. وروى محمد بن عمرو بن علقمة ، عن أبي سلمة ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص هذا الخبر بمعناه، وزاد فيه، فقال:

يا معشر قريش والذي نفسي بيده لقد أرسلني ربي إليكم بالذبح.

ورواه هشام بن عروة ، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص بمعنى حديث يحيى بن أبي كثير وحديث محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن عبد الله بن عمرو .

حدثنا عبد الله، قال: حدثنا محمد، قال: حدثنا أبو داود ، قال: حدثنا محمد بن العلاء وعثمان بن أبي شيبة: أن محمد بن أبي عبيدة، حدثهم عن أبيه، عن الأعمش ، عن أبي سفيان، عن أنس، قال:

لقد ضربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى غشي عليه، فقام أبو بكر، فقال: (ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم) فقالوا: هذا ابن أبي قحافة المجنون [ ص: 44 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية