الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
وكان أول قتيل قتل من المسلمين مهجع مولى عمر بن الخطاب أصابه سهم فقتله. وسمع عمير بن الحمام رسول الله صلى الله عليه وسلم يحث على القتال ويرغب في الجهاد ويشوق إلى الجنة وفي يده تمرات يأكلهن فقال: بخ بخ أما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء. ثم رمى بالتمرات وقاتل حتى قتل.

ثم منح الله عز وجل المسلمين النصر وهزم المشركين. وانقطع يومئذ سيف عكاشة بن محصن ، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم جذلا من حطب، وقال له: دونك هذا، فصار في يده سيفا لم يكد الناس يرون مثله أبيض كالملح. فلم يزل عنده يقاتل به حتى قتل في الردة، رضي الله عنه.

وكانت وقعة بدر يوم الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان.

ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلى المشركين، فسحبوا إلى القليب ورموا فيه وضم عليهم التراب، ثم وقف عليهم فناداهم: هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا فقيل له: يا رسول الله تنادي أقواما أمواتا قد جيفوا؟ فقال: "ما أنتم بأسمع منهم ولكن لا يجيبون. ومن هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم في الميت إذا دفن وانصرف الناس عنه إنه ليسمع خفق نعالهم إذا ولوا عنه مدبرين.

وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأنفال عبد الله بن كعب بن عمرو الأنصاري . ثم [ ص: 107 ] انصرف. فلما نزل الصفراء قسم بها الغنائم كما أمر الله عز وجل. وضرب بها عنق النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة العبدري، وهو الذي جاءت ابنته قتيلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنشدته:


يا راكبا إن الأثيل مظنة من صبح خامسة وأنت موفق     أبلغ به ميتا بأن تحية
ما إن تزال بها النجائب تخفق     مني إليه وعبرة مسفوحة
جادت بواكفها وأخرى تخنق     ظلت سيوف بني أبيه تنوشه
لله أرحام هناك تشقق     أمحمد يا خير ضنء كريمة
من قومها والفحل فحل معرق     ما كان ضرك لو مننت وربما
من الفتى وهو المغيظ المحنق     والنضر أقرب من قتلت قرابة
وأحقهم إن كان عتق يعتق

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إني لو سمعت هذا قبل قتله لم أقتله، وهذا ليس معناه الندم، لأنه عليه السلام لا يقول ولا يفعل إلا حقا، لكن معناه: لو شفعت عندي بهذا القول لقبلت شفاعتها. وفيه تنبيه على حق الشفاعة والضراعة. ولا سيما الاستعطاف بالشعر، فإن مكارم الأخلاق تقتضي إجازة الشاعر وتبليغه قصده. والله أعلم.

ثم لما نزل عرق الظبية ضرب عنق بن أبي معيط.

قال أبو عمر :

روي عن عبادة بن الصامت قال:

خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر، فلقوا العدو. فلما هزمهم الله اتبعتهم طائفة من [ ص: 108 ] المسلمين يقتلونهم، وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم واستلوت طائفة على العسكر والنهب. فلما نفى الله العدو ورجع الذين طلبوهم قالوا لنا النفل، نحن طلبنا العدو، وبنا نفاهم الله وهزمهم. وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنتم أحق به منا، بل هو لنا، نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا ينال العدو منه غرة. وقال الذين استلووا [ على ] العسكر والنهب: ما أنتم أحق به منا، هو لنا، نحن حويناه واستلوينا عليه. فأنزل الله عز وجل: ( يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين ) . فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فواق بينهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية