الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
[ شهداء يوم قريظة ]

واستشهد من المسلمين يوم قريظة : خلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو من بني الحارث بن الخزرج طرحت عليه امرأة من بني قريظة رحى فقتلته. ومات في الحصار أبو سنان بن محصن، فدفنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مقبرة بني قريظة التي يتدافن فيها المسلمون السكان بها اليوم. ولم يصب غير هذين. ولم يغز كفار قريش المسلمين بعد الخندق.

بعث عبد الله بن عتيك إلى قتل أبي رافع سلام بن أبي الحقيق اليهودي

وانقضى شأن الخندق وقريظة. وكان أبو رافع سلام بن أبي الحقيق ممن حزب الأحزاب وألب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الأوس قبل أحد قد قتلت كعب بن الأشرف [ ص: 184 ] في عداوته رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت الأوس والخزرج يتصاولان تصاول الفحول، لا تصنع الأوس شيئا فيه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غناء إلا قالت الخزرج: والله لا يذهبون بذلك فضلا علينا [ ولا ينتهون حتى يوقعوا مثله ]. وإذا فعلت الخزرج شيئا كفضل في الإسلام أو بر عند النبي صلى الله عليه وسلم قالت الأوس مثل ذلك. فتذاكرت الخزرج من في العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم - كابن الأشرف، فذكروا ابن أبي الحقيق، واستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتله، فأذن لهم.

فخرج إليه خمسة نفر من الخزرج كلهم من بني سلمة، وهم: عبد الله بن عتيك، وعبد الله بن أنيس، وأبو قتادة بن ربعي، ومسعود بن سنان، وخزاعي بن أسود حليف لهم من أسلم. وأمر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عتيك، ونهاهم عن قتل النساء والصبيان. فنهضوا حتى أتوا خيبر ليلا، وكان سلام في حصنه ساكنا في دار جماعة وهو في علية منها، فاستأذنوا عليه، فقالت امرأته: من أنتم؟ فقالوا: أناس من العرب يطلبون الميرة فقالت لهم: هذاكم صاحبكم، فادخلوا. فلما دخلوا أغلقوا الباب على أنفسهم، فأيقنت بالشر وصاحت، فهموا بقتلها، ثم ذكروا نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قتل النساء والولدان، فأمسكوا عنها. ثم تعاوروه بأسيافهم وهو راقد على فراشه، أبيض في سواد الليل كأنه قبطية، ووضع عبد الله بن عتيك سيفه في بطنه حتى أنفذه، وهو يقول: قطنى قطنى. ثم نزلوا.

وكان عبد الله بن عتيك سيئ البصر، فوقع، فوثئت رجله وثئا شديدا، فحمله أصحابه حتى أتوا منهرا من مناهرهم فدخلوا فيه، واستتروا. وخرج أهل [ ص: 185 ] الآطام لصياح امرأته وأوقدوا النيران في كل جهة، فلما يئسوا رجعوا. فقال أصحاب ابن عتيك: كيف لنا أن نعلم أن عدو الله قد مات؟ فرجع أحدهم، فدخل بين الناس، فسمع امرأة ابن أبي الحقيق تقول: والله لقد سمعت صوت ابن عتيك، ثم [ أكذبت نفسي ] وقلت: أنى ابن عتيك بهذه البلاد! قال: ثم إنها نظرت في وجهه فقالت: فاظ وإله يهود.

قال: فسررت، وانصرفت إلى أصحابي، فأخبرتهم بذلك.

فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبروه، وتداعوا في قتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هاتوا أسيافكم، فأروه إياها، فقال عليه السلام عن سيف عبد الله بن أنيس: هذا قتله، أرى فيه أثر الطعام.
وحديث البراء بن عازب في قتل ابن أبي الحقيق بخلاف هذا المساق، والمعنى واحد.

التالي السابق


الخدمات العلمية