الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
[ مقاسم خيبر وأموالها ]

وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد حاز الأموال كلها: الشق ونطاة والكتيبة وجميع حصونهم إلا ما كان من ذينك [ الحصنين ]. فلما سمع بهم أهل فدك قد صنعوا ما صنعوا بعثوا إلى رسول الله يسألونه أن يسيرهم وأن يحقن لهم دماءهم ويحلوا له الأموال، ففعل. وكان فيمن مشى بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبينهم في ذلك محيصة بن مسعود أخو بني حارثة. قال: فلما نزل أهل خيبر على ذلك سألوا رسول الله أن يعاملهم في الأموال على النصف، فعاملهم، وقال لهم: على أنا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم. فصالحه أهل فدك على مثل ذلك. وكانت خيبر فيئا بين المسلمين، وكانت فدك خاصة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنهم لم يوجفوا عليها بخيل ولا ركاب.

قال أبو عمر :

هذا هو الصحيح في أرض خيبر أنها كانت عنوة كلها مغلوبا عليها بخلاف فدك وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسم جميع أرضها على الغانمين لها الموجفين بالخيل والركاب، وهم أهل الحديبية . ولم يختلف العلماء [ في ] أن أرض خيبر مقسومة، وإنما اختلفوا هل تقسم الأرض إذا غنمت البلاد أو توقف؟ فقال الكوفيون: الإمام مخير بين قسمتها كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأرض خيبر وبين إيقافها كما فعل عمر بسواد العراق ، وقال [ ص: 202 ] الشافعي : تقسم الأرض كلها - كما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ خيبر ] لأن الأرض غنيمة كسائر أموال الكفار، وذهب مالك إلى إيقافها اتباعا لعمر ، لأن الأرض مخصوصة من سائر الغنيمة بما فعل عمر في جماعة من الصحابة: في إيقافها لمن يأتي بعده من المسلمين. وروى مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه، قال: سمعت عمر يقول: لولا أن يترك آخر الناس لا شيء لهم ما افتتح المسلمون قرية إلا قسمتها سهمانا كما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر سهمانا، وهذا يدل على أن أرض خيبر قسمت كلها ] سهمانا كما قال ابن إسحاق . وأما قول من قال إن خيبر كان بعضها صلحا وبعضها عنوة، فقد وهم وغلط، وإنما دخلت عليه الشبهة بالحصنين اللذين أسلمهما أهلهما لحقن دمائهم، فلما لم يكن أهل ذينك الحصنين من الرجال والنساء والذرية مغنومين ظن أن ذلك صلح. ولعمري إنه في الرجال والنساء والذرية لضرب من الصلح، ولكنهم لم يتركوا أرضهم إلا بالحصار والقتال، فكان حكم أرض ذينك الحصنين كحكم سائر أرض خيبر كلها غنيمة مغلوبا عليها عنوة مقسومة بين أهلها. وربما شبه على من قال إن نصف خيبر صلح ونصفها عنوة بحديث يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسم خيبر [ نصفين: نصفا له، ونصفا للمسلمين. وهذا لو صح لكان معناه أن ] النصف له مع سائر من وقع في ذلك النصف معه، لأنها قسمت (على) ستة وثلاثين سهما، فوقع سهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وطائفة معه في ثمانية عشر سهما منها، ووقع سائر الناس في باقيها، وكلهم ممن شهد الحديبية ثم شهد خيبر . وليست الحصون التي أسلمها أهلها [ بعد الحصار والقتال صلحا، ولو كانت صلحا لملكها أهلها ] كما يملك أهل الصلح أراضيهم وسائر أموالهم. فالحق في [ ص: 203 ] هذا والصواب ما قاله ابن إسحاق دون ما قاله موسى وغيره عن ابن شهاب . والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية