الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
345 - حدثنا محمد بن يحيى ، ثنا أبو صالح ، كاتب الليث ، عن ابن لهيعة ، عن عطاء بن دينار الهذلي ، أن عبد الملك بن مروان ، كتب إلى سعيد بن جبير ، يسأله عن هذه المسائل ؟ ، فأجابه فيها : " سألت عن الإيمان ؟ ، قال : فالإيمان ، هو التصديق ، أن يصدق العبد بالله ، وملائكته ، وما أنزل من كتاب ، وما أرسل من رسول ، وباليوم الآخر ، وتسأل عن التصديق ؟ ! والتصديق : أن يعمل العبد بما صدق به من القرآن ، وما ضعف عن شيء منه ، وفرط فيه ، عرف أنه ذنب ، واستغفر الله ، وتاب منه ، ولم يصر عليه ، فذلك هو التصديق ، وتسأل عن الدين ؟ ! والدين : العبادة ، فإنك لن تجد رجلا من أهل دين ، يترك عبادة أهل دينه ، ثم لا يدخل في دين آخر ، إلا صار لا دين له ، وتسأل عن العبادة ؟ ! والعبادة : هي الطاعة ، وذلك أنه من أطاع الله فيما أمره به ، وفيما نهاه عنه ، فقد أتم عبادة الله ، ومن أطاع الشيطان في دينه وعمله ، فقد عبد الشيطان ، ألم تر أن الله قال للذين فرطوا : ( ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان ) .

وإنما كانت عبادتهم الشيطان أنهم أطاعوه في دينهم ، فمنهم من أمرهم فاتخذوا أوثانا ، أو شمسا ، أو قمرا ، أو بشرا ، أو ملكا ، يسجدون له من دون الله ، ولم يظهر [ ص: 347 ] الشيطان لأحد منهم ، فيتعبد له ، أو يسجد له ، ولكنهم أطاعوه ، فاتخذوها آلهة من دون الله ، فلما جمعوا جميعا يوم القيامة في النار ، قال لهم الشيطان : ( إني كفرت بما أشركتمون من قبل ) ، ( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ) ، فعبد عيسى ، والملائكة من دون الله ، فلم يجعلهم الله في النار ، فليس للشمس والقمر ذنب ، وذلك يصير إلى طاعة الشيطان ، فيجعلهم معهم ، فذلك قوله حين تقربوا منهم : ( تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين ) ، وقالت الملائكة حين سألهم الله : ( أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون ) ، قال : أفلا ترى إلى عبادتهم الجن ، إنما هي أنهم أطاعوه في عبادة غير الله ، فيصير العبادة إلى أنها طاعة " .

346 - حدثني الحسين بن عيسى البسطامي ، ثنا ابن حرب ، ثنا [ ص: 348 ] ابن لهيعة ، ثنا عطاء بن دينار الهذلي ، أن عبد الملك بن مروان ، كتب إلى سعيد بن جبير ، يسأله عن هذه المسائل ، فأجابه فيها : سألت عن الإيمان ، فذكر بمثله .

التالي السابق


الخدمات العلمية